من دفتر الوطن

الشمس تشرق من كل الجهات!

| عصام داري 

تزاحمت الأعياد مع نهاية هذا العام الذي يضاف إلى أعوام الجمر والنار والمصيبة التي حلت بالسوريين بفعل فاعل، وتخطيط مدّبر، ولعنة شياطين.
ولأن العيد في أحد تفسيراته ومعانيه في لغتنا يعني الاحتفال، فقد تزاحمت الاحتفالات في الوقت الذي يلفظ فيه عام المحنة (2016) أنفاسه الأخيرة، فتصافح عيد المولد النبوي الشريف، مع عيد ميلاد السيد المسيح، وعيد رأس السنة الميلادية الذي سبقه عيد السنة الهجرية منذ شهر تقريباً، ليواكب كل هذه الأعياد المباركة عيد جديد وافد إلينا من أجندة واقع الحال اسمه «عيد حلب، وعيد النصر».
منذ بدأت أكتب هنا في هذا الحيز الصغير من صحيفة «الوطن» قررت ألا أفتح الباب للكتابة في السياسة، مع أن كل شيء يصب في نهاية المطاف في السياسة، وقلت: إن «من دفتر الوطن» هي وقفة مع التأمل والروح والجمال والحب والكلمة الناعمة التي تدخل القلوب من دون استئذان، ومازلت عند قراري، إلا إذا رأيتم أن كتابتي اليوم عن «عيد حلب» تعتبر كتابة في السياسة!.
من دون مقدمات، وحتى بلا أي منطق أو توارد أفكار، تذكرت رواية الكبير حنا مينة، وتذكرت حواراً قصيراً جداً يقول: «اليوم تموت وغداً تموت، والخوف يموت، ثم لا شيء والدرب يطول والعزم يطول، والدنيا من حوله صمت، والثلج وحده يأتي من النافذة».
ما علاقة ثلج حنا مينة والأقبية والبنادق الموجهة إلى الصدور وسيرة الخوف الذي يموت، بالعيد الذي سميته «عيد حلب»؟ ثم لماذا خطر في ذهني الثلج ما دمت أريد أن أتحدث عن شمس غيرت مزاجها وقررت أن تشرق هذه المرة من الشمال؟
لكن ليس في الأمر سر أو أحجية، فالخوف اندحر في حلب، وأعلن المدافعون عنها من الداخل، والقادمون إليها لتحريرها من كامل الجغرافيا السورية أنهم قتلوا الخوف، فمات، وبدأت الشمس تأتي من النافذة، نافذة الشمال السوري، إحدى عواصم التاريخ التي استعصت طوال آلاف الأعوام على أعتى وأعنف وأغبى غزاة الأرض.
ولأنها حلب، ولأن أهل سورية، وأهل حلب هزموا الخوف، فقد أرادت الشمس أن تكافئهم، فقررت أن تشرق من الشمال لتنشر نور الحرية على كامل تراب وطن هو مهد الحضارات وأرض الحرية والمحبة والحب وكل المثل النبيلة التي عرفتها البشرية.
عندما غنت فيروز قصيدة «زهرة المدائن» كان الحزن يعتصر القلوب وخاصة عندما تقول:
حين هوت مدينة القدس
تراجع الحب وفي قلوب الدنيا استوطنت الحرب
الطفل في المغارة وأمه مريم وجهان يبكيان وإنني أصلي
فماذا نقول اليوم عن حلب؟ وهل ما جرى لحلب يقل عما جرى للقدس؟. اليوم والميلاد يقترب، نتذكر أن الطفل في المغارة، وأن من صلب المسيح، وقتل الأنبياء بعث من جديد على هيئة غيلان متوحشة تدمر الحضارات وأوابدها وتسرق الأديان وتبشر بدين القتل والذبح والجريمة.
لكن حلب انتصرت على غيلانها، وها هي شمسها تشرق من جديد لتحرر الأطفال من المغاور والأزقة والعتمة وتعيدهم إلى النور وحضن الوطن الدافئ.. وسورية هي التي تعود لأهلها، وأهلها عائدون والشمس ستشرق من كل الجهات، والنصر معقود للجباه السمر، والزنود القوية، ولسورية السلام.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن