ثقافة وفن

وصية رحالة..

| د. اسكندر لوقا 

المعروف أن الخط المستقيم هو أقصر من الخط المتعرج الذي يصل بين نقطتين وقد فطن المستعمرون، منذ القدم، إلى أهمية سلوك هذا الخط وصولاً إلى غاياتهم، وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً بدءاً من العام 1787 يوم نشر الرحالة الفرنسي فولني (volne) كراسه الذي ضمنه انطباعاته التي خرج بها إثر زيارته لمصر وسورية في العام 1785، في الكراس المذكور ورد في إحدى فقراته بالحرف «إن الاستيلاء على مصر أولاً وسورية ثانياً يجب أن يكون محور السياسية التي تريد السيطرة على عموم الشرق الأوسط».
وقد وجدت هذه الدعوة طريقها إلى التطبيق- كما هو معروف- بعد الثورة الفرنسية في عام 1789 على يد نابليون بونابرت في أواخر القرن الثامن عشر، وإن لم يحقق كل ما يصبو إليه بنتيجة وقوف شعوب المنطقة في وجهه، فاندحر هو وقواته مهزوماً في نهاية الأمر.
وربما كان دافع الحكومة الفرنسية في بدايات القرن الماضي إلى تقسيم سورية إلى دويلات هو التماسها ما ورد في وصية الرحالة فولني وصولاً إلى الاستيلاء على سورية، ففي الأول من شهر كانون الأول عام 1920، أصدر الجنرال غورو عدة قرارات بينها قرار بتسمية دولة دمشق، وآخر بتسمية دولة حلب، وآخر بتسمية دولة العلويين، وآخر بتسمية دولة جبل الدروز، وأخيراً القرار بتسمية لواء الإسكندرونة المستقل، وكان في يقين الجنرال غورو أن قراراته هذه سوف تلقى آذاناً مصغية وأنها ستأخذ طريقها إلى التنفيذ، فكان رد فعل جماهير شعبنا سلسلة من التظاهرات التي نادت بسقوط الانتداب وسياسة التجزئة التي يمارسها الاستعمار لإخضاع البلاد إلى سيطرته، وكانت النتيجة تغيير بعض تلك القرارات ومن ثم سقوطها نهائياً، وبالتالي لم يجد الاستعمار لجوءه إلى سياسة الاستيلاء على مقدرات شعب نهض متحدياً هذه السياسة وتبعاتها على الأرض السورية.
إن سياسة الحكومات الفرنسية، منذ بدايات القرن العشرين لم تتغير حتى يوم هولاند الذي بات على شفير السقوط بنياته المبيتة ضد سورية.
لقد ذاق شعبنا مرارة الاستعمار المغلف بأسماء مختلفة منذ أن وعى أبناؤه قيمة الحرية والكرامة والاستقلال، فبقوا صامدين أمام جحافل الغزاة الفرنسيين وقبلهم العثمانيون وقبلهم غلاة الطامعين بثروات دول المنطقة وبينها سورية، ولهذا الاعتبار كان وعيهم لما يحدث الآن من حولهم، فكان قرارهم اللجوء إلى القوة لردع أعداء الوطن بكل ما يملكون من عزيمة مسندها روح السلف الذين تغلبوا على الاستعمار، بشكل مباشر، وصولاً إلى الغاية المنشودة من الصمود، وبما يمتلكون من وسائل الدفاع عن الحرية والكرامة، وفي يقينهم أن التظاهر بالوداعة أو حب الخير والدفاع عن حقوق الإنسان من قبل الغير وخصوصاً المستعمر، ما هو إلا من صور الخديعة.
في هذا السياق، يقول الشاعر إبراهيم الخفاجي «1922-….»: وإذا الذئاب استنعجت لك مرة… فحذار منها أن تعود ذئابا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن