ثقافة وفن

«الجديد».. معجم أسلوبيّ حضاريّ للدكتور محمد رضوان الداية … الاشتقاق من غير العربية في العصر الحديث

| سوسن صيداوي

الحاجة هي أم الاختراع.. وهي الدافع لخلق شيء جديد يتوافق مع الرغبات والمطلوبات المستجدّة في الحياة. وحتى اللغة العربية وما تتمتع به من مزايا رافقتها منذ عهد اكتمالها قبل الإسلام بزمان، فمزاياها قادرة على التجدّد في إطار الأصالة العريقة، وقادرة على الاشتقاق لكونها لغة تسمح بالتوسع والاستيعاب ومسايرة الجديد والطارئ، وعلى ذكر الجديد والطارئ وفي زمن التفجّر التقني السريع، كما سماه محمد رضوان الداية، والذي أصدرت له الهيئة العامة السورية للكتاب في وزارة الثقافة «الجديد» وهو معجم أسلوبيّ حضاريّ كما جاء معنوناً، كان جمع مواده بالاستناد إلى ثلاثة معاجم صادرة عن هيئات علمية موصولة بجهات رسمية وشبه رسمية. وبالعودة إلى الزمن المتفجّر السريع الذي يقتضي أسماء مسميّات وأفعالاً لإجراءات ومواد مشتقة خلال كل زمن يمرّ على العروبة، وهذه عادة اتبعها أجدادنا العرب القدماء باشتقاقهم من الأعيان والمصادر الصناعية واستطاعوا أن يستوعبوا مفردات أجنبية كما طوعوها للنطق العربي واشتقوا منها ما احتاجوا إلى ذلك، وهذا ما قام به المؤلف الداية في بحثه.

العربية.. لغة مطواعة
إذا ضرورات الحياة والتطور والتجديد الدائم والحاجة في العصر الحديث إلى احتواء مفردات أجنبية كثيرة والتي صارت مع مرور الأيام والأعوام كثيرة جداً لأسباب جاء على ذكرها المؤلف محمد الداية في مؤلفه «بين الترجمة لتلك المفردات، وهي الأصل، والتعريب الذي تلح عليه الحاجة، وتسمح به اللغة، ومع دخول المفردات الأجنبية استعمال الناس (في العامي والفصيح معا) واستقرار الكلمات داخل اللغة:استقراراً دائماً أو مؤقتاً، وعن الحاجة إلى الاشتقاق من تلك المفردات على هيئتها التي استقرت عليها على ألسنة الناس، أو بوضع العلماء المختصين، بالقدر المطلوب من تلك المشتقات… وهكذا انفعل العامة بما في وجدانهم من معرفة فطرية، أو مبهمة باللغة، أو إحساس بها، وقاسوا في اشتقاقهم على ما يعرفون ويحفظون، وارتجلوا من وراء تلك المعرفة والإحساس، وملؤوا الفراغ الذي ينبغي ملؤه في التعامل اليومي مع «مواد الحياة».

العربية وحركتها اللغوية
ما بين العامة من الناس والفصحاء كان هناك اجتهاد كبير وواضح في الإضافات التي استوعبتها اللغة العربية، وفي بعض ما ذكره المؤلف في بحثه من استعراض للحركة اللغوية في مقدمته أشار «قبل نشوء المجامع اللغوية وقيام بعض الهيئات الأهلية والرسمية، اجتهد الناس من الفصحاء ومن العامة في صيغة ما يحتاجون إليه من الأفعال والأسماء ليتم التفاهم بين الناس في قضاء مصالحهم ولتتم بذلك حركة الحياة» وتابع قائلاً: «و في جواب الأستاذ كامل الغزي قوله: لم يكتف العرب بأخذهم كلمات أعجمية، وإقحامها في لغتهم باقية على جمودها، بل تصرفوا في بعضها، وألبسوه حلة الأسماء العربية المشتقة، وذلك مثل كلمة (لجام) وهي فارسية أصلها: لغام، فقالوا فيه:ألجمه يلجمهُ إلجاماً، فهو مُلجِم ومُلجَم، وكلمة (ديوان)، فقالوا فيه:دَوّنه يُدّونُه تدويناً، فهو مُدّوِّن ومُدوَّن.
وبعد هذه الحركة اللغوية التي أثارتها أسئلة الشيخ المغربي بزمان، اقترح الأمير الشهابي قيام جماعة من العلماء واللغويين تنقطع لقضية الدخيل في المعجمات وفي التراث العلمي والأدبي القديم وتكشف عن رأيها فيما يجوز وما لا يجوز إثباته في المعجم العربي الحديث من الكلمات المولّدة… وختم بحثه باقتراح تأليف لجنة في مجمع اللغة العربية تسمى لجنة الكلمات المولّدة مهمتها التحري عن تلك الكلمات، وجمعها، وانتخالها».

كلمات دخيلة.. أجنبية
المعرفة الفطرية للعوام كما سماها المؤلف وارتجالهم لملء الفراغ بما يحتاجونه من كلمات خلال تعاملهم اليومي هو كان من الأسباب لإدخال مفردات مشتقة أجنبية والتي عدّدها على الشكل التالي: «بعضها جاء في الكتب المؤلفة والمترجمة، وبعضها ورد في أشعار لبعض الشعراء ومقالات ودراسات لبعض الكتاب، وبعضها انفعل به، مقاربة أو إصابة، عامة الناس في وجوه أعمالهم ومعالجاتهم المختلفة كأصحاب الصنائع والمتاجر، وبعضها أورده المتقنون للغات الأجنبية من خلال ممارسة أعمالهم كأساتذة الجامعات في الكليات العلمية وما قاربها وكأطباء وصيادلة، وسجّلت معاجم مثل محيط المحيط من تلك المفردات مع الإشارة إلى كونها محدثة أو عامية أو دخيلة، وسجلت منها كتب مستقلة تُعنى بجوانب خاصة من اللغة مثل كتاب «الدليل إلى معرفة العامي والدخيل «لرشيد عطية».

التجربة.. خاصة
شرع المؤلف منذ مدة في جمع مواد لغوية في جوانب شتى، وكانت مرجعيته في معظم ما كتبه إلى اللغويين وغيرهم من المهتمين باللغة العربية من الكتّاب والأدباء والهواة «فإن تلك المحاولات صدرت، وهي تصدر، وعن نفس طيب في حب اللغة، والحرص عليها، وأنها أسهمت، ولو إسهاما قليلا، في معالجة قضية التوسع اللغوي، وتوفير المفردات أو المصطلحات اللازمة في إطار اللغة العربية، وتحت ظل قواعدها ونظمها العامة». وكان استأنس بعدد من المعجمات التي صدرت أواخر القرن التاسع عشر. وفي القرن العشرين مثل محيط المحيط ومتن اللغة.

القضية من البحث
يعتبر المؤلف بحثه الذي استطرد إلى كتاب، يقرّب ما صنع الناس، وما قدمه اللغويون من آراء واقتراحات، ويرصد المفردات الشائعة في الاستعمال رغم أنها مشتقة من غير العربية، ويذكر المقترحات التي قدمت بديلاً من الأعجمية ويعرض كل كلمة على ما سجله من المعاجم الثلاثة وهي المعجم الوسيط والمعجم المدرسي والمعجم العربي الأساسي، وقضية البحث كما ذكر مؤلفه محمد رضوان الداية «القضية التي يقدمها البحث والذي هو في هيئة كتاب هي موقف اللغة العربية الفصيحة من هذه المفردات، التي اشتقها الناس من الفصحاء وغيرهم، واشتقوها من غير العربية وتداولوها، لأنهم في حاجة إليها أو إلى أمثالها، وأكثرها موصول بما دخل البلاد العربية والإسلامية من أدوات وأشياء تحتاج إلى مصطلحات وتحتاج إلى أفعال وأسماء تصلح للتعامل معها أو الإشارة إليها».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن