من دفتر الوطن

السياسي الوضيع!!

| عبد الفتاح العوض 

المثال الذي أنوي تقديمه هنا للسياسي الوضيع هو «صالح مسلم» والمناسبة هو حديثه لقناة «C. B. B» عن الفدرالية والتقسيم، لكن قبل أن نخوض في فحوى ما قاله، من المهم التوضيح أنه مجرد مثال صغير لنموذج كبير من السياسيين الذين يستحقون صفة «الوضاعة».
في حديث صالح مسلم يقول: إن أهل الرقة قد لا يريدون أن يكونوا مع دمشق.. وإن «الاسماعيليين» أيضاً قد يريدون «فدرالية».
وكلامه هو في معرض تبريره للطروحات الانفصالية التي يقدمها بكثير من الوقاحة.
ثمة مفارقة عجيبة في هذا الموضوع.. هؤلاء السياسيون يصادرون آراء الناس بشكل مسبق.. فهم يقررون عنهم.. وقراراتهم لا نقول: إنها عكس إرادة الناس بل على الأقل لم يؤخذ رأي الناس فيها.
هل جرى في سورية استفتاء عام للشعب السوري يقرر فيه إن كان يريد التقسيم أو الفدرالية أو أي شكل من أشكال التقسيم…؟
النقطة المهمة هنا: هل نأخذ رأي فئة محددة من السوريين أم إن علينا أن نحترم رأي كل السوريين وليس فئة منهم؟
إذا قيّض لكل فئة صغيرة من السويين سياسي «وضيع» ينبش فيهم «الأنا» ويشعل فيهم نيران العصبية، ويدربهم على الطائفية، فإن رأي فئة صغيرة تستطيع به أن تجر البلاد إلى متاهات لا نعرف كيف الخروج منهما.
بطريقة أوضح.. إذا كان قرار على مستوى الوحدة أو التقسيم يمكن أن يترك لفئة من السوريين فإن ذلك يشكل إجحافاً بحق باقي السوريين.
أوضح ذلك بمثال صغير أرجو ألا يحمّله أحد فوق ما يحتمل هو للتوضيح لا أكثر.
لو اعتبرنا الداعين إلى الفدرالية هم فئة «المثليين» أو «الشواذ» في دولة ما، هل يسمح للشواذ بأن يقرروا قانوناً يحكم جميع أفراد تلك الدولة!
بالتأكيد لا يمكن ذلك.. ويتم استفتاء آراء كل أفراد المجتمع حول تقرير مصير فئة منهم.
هذه الدعوات حول التقسيم بأسمائه الملطفة لم تنجح سابقاً.. ولم تنجح في أوقات لم يكن يمتلك المجتمع السوري كامل المبررات ليبقى موحداً.
هذه الكارثة السورية بشكل أو بآخر قدمت لنا ما يكفي من البراهين على أن أي توجه لا يراعي وحدة سورية وتماسكها جغرافياً واجتماعياً وسياسياً هو توجه خارج المنطق والعقل وخارج التاريخ أيضاً.
مثل هذه الأفكار التي تنمو في أوقات الضعف تنتهي سريعاً مع بوادر عودة الصحة للمواطن، لكن خطورة هذه الأفكار أنها تتلاقى مع مشاريع تقسيم إقليمية.
هنا مكمن الألم عندما تأتي هذه الطروحات من «الداخل» تتلاقى مع لعبة الخارج فيصبح الحديث عنها على أنه الحل.. في حين هي أساس المشكلة وجوهر المصيبة.
ما على الدولة أن تقوم به هو تقديم بدائل تسحب الحجج وتسد الذرائع أمام الطروحات ذات الصبغة التقسيمية.. وأظن أن المسألة تتعلق بقوانين الإدارة المحلية والتوجه نحو نوع من اللامركزية أكثر احتراما لبعض الخصوصية.
في كل حال… كل من يقدم طروحات تقسيمية هو«وضيع» سواء كان سياسياً أم غير ذلك.

أقوال
يمكن تعلم الحكمة بثلاثة أساليب، الأول، عن طريق التأمل، وهو الأسلوب الأنبل؛ الثاني من خلال التقليد، وهو الأسهل؛ والثالث عن طريق التجربة، وهو الأكثر مرارة.
من يعرف الغير فهو ذكي… أما من يعرف نفسه فهو مستنير.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن