اقتصاد

دعوة لمبادرة جديدة: من المطبخ إلى خزان المازوت

علي نزار الآغا : 

سقطت التفاحة أمام أعين نيوتن، فاكتشف قانون الجاذبية.. هذا ما يقولون عنه التفكير الإبداعي، وهو ذاته الذي طالب به رئيس حكومتنا وزراءه عدة مرات خلال الأزمة، علّهم يكتشفون حلولاً جديدة تسهل على السوريين معيشتهم، وتؤمن فرصاً جديدة للعمل.. ولكن من دون جدوى، فالجميع لا يرى في التفاحة الساقطة سوى لذة الطعم!!
قبل نحو عشر سنوات، نشر الكاتب الأميركي جوش تيكل كتابه المشهور (من المقلاة إلى خزان الوقود) كاشفاً النقاب عن وسيلة إبداعية في استخراج المازوت الحيوي (بيو ديزل) من الزيت النباتي، بكلفة اقتصادية، فأثار موجة رعب عمت منتجي المازوت نظراً لسهولة الطريقة الجديدة وجدواها الاقتصادية المهمة.
من أميركا إلى مصر، في رحلة طالت عشر سنوات في الاقتصاد، أعلن وزير التموين والتجارة الداخلية المصري خالد حنفي يوم أمس عن توقيع بروتوكول تعاون بين كل من وزارتي التموين، والبترول، وشركة الإسكندرية للإضافات البترولية «أكبا»؛ لبدء تفعيل مشروع تحويل زيت الطعام المستعمل إلى سولار (مازوت) في كل المحافظات على مستوى الجمهورية.
وبحسب بيان صحفي نشرته عدة وسائل إعلامية، فإن البروتوكول يتضمن قيام وزارة التموين بتجميع زيوت الطعام المستعملة من المواطنين، إضافة إلى مصادرها الأخرى كالبقالين والموزعين، مقابل نقاط يحصلون بموجبها على سلع غذائية مجانية، وذلك من خلال نقاط تجميع في المحافظات كافة على أن تكون هذه النقاط مجهزة لشحن الزيت في سيارات، ثم يتم تسليم هذه الزيوت إلى شركة الإسكندرية للإضافات البترولية لتحويلها إلى مازوت حيوي.
طبعاً لا يسعنا القول في هذا سوى «أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً» وهذا هو الوقت المناسب للمصريين في بحثهم عن طرق إبداعية عملية لأزمتهم الاقتصادية.
أما عندنا، فلا تسعفنا معاني اللغة العربية في نقل إحساسنا لدى مطالعة تلك الأفكار والأخبار، في حين مسؤولونا الاقتصاديون مشغولون بكل ما ليس له علاقة بالأزمة الاقتصادية، وما تقتضيه من حلول عملية تنتج عن طرق تفكير إبداعية.
لنحسبها بالورقة والقلم، يستهلك السوريون 177 ألف طن من الزيت النباتي في العام، أي 177 مليون كيلو غرام زيت، ما يعادل 195 مليون ليتر، أي 975 ألف برميل.
ومهما نقصت الكمية بعد الاستهلاك، فإن النتيجة ليست قليلة مطلقاً، ويمكن تحويلها إلى مازوت حيوي أرخص من المازوت البترولي العادي، بعد إضافة مادة الميتانول، وإجراء عملية ليست معقدة، يمكن إجراؤها في معامل بسيطة وعادية جداً، وبكلف ليست كبيرة.
وعملياً لو تمكنا من إنتاج 700 ألف برميل من المازوت الحيوي سنوياً، فسوف نستطيع تغطية حاجة دمشق من المازوت لمدة لا تقل عن 200 يوم. وهي كمية لا يستهان بها أبداً.
طبعاً الموضوع بحاجة إلى دراسة فنية واقتصادية، لتحديد طرق التنفيذ والخيارات والتوصيات، علماً بأن الجدوى الاقتصادية مضمونة، بدليل اعتماد العديد من الدول عليها، وليس آخرها مصر. ووفق الإحصائيات الأخيرة المتوافرة حول الموضوع، فإن التكلفة النهائية لغالون المازوت الحيوي لا تزيد على 90 سنتاً، أي بحدود 365 ليرة للغالون، وهو ما يعادل 70 ليرة لليتر الواحد.
ولكي لا نرهق الحكومة في الدخول باستثمار كهذا قد يتطلب مؤسسات ولجاناً وهيئات، وغيرها من التشكيلات الإدارية البيروقراطية، يمكن التفكير بتحويل الموضوع للمهجرين والفقراء، من خلال مساعدتهم على توفير أماكن مناسبة وتحويلها إلى مصانع صغيرة، بإشراف فنيين، يقومون بتحويل الزيت النباتي المستعمل إلى مازوت وبيعه في الأسواق بأسعار مدروسة، كما يتم تشكيل فرق من العاطلين من العمل يتولون مهمة جمع الزيت من المنازل والمحال والمستودعات، وفق سلسلة عمل واضحة، يمكن لوزارة التنمية الإدارية أن تلعب دوراً مهماً في صياغتها، كما يمكن توجيه المصارف التي تعاني فائض السيولة لإقراض هذه المشاريع، الصغيرة بحجمها، لكن الكبيرة بفعلها وإنتاجها.
ومن هنا أدعو إلى إطلاق مبادرة تطوعية لمتابعة الموضوع لدى الجهات المعنية، وتأمين قاعدة البيانات الفنية واللوجستية وإعداد الدراسات الاقتصادية لنقل الملف إلى أرض الواقع، ولتكن مبادرة (من المطبخ إلى خزان المازوت) عنواناً فعالاً في تحفيز طرق التفكير الإبداعي في إدارة الاقتصاد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن