سورية

باريس تريد إشرافاً دولياً على عملية الإجلاء.. وموسكو تفضل أنقرة على واشنطن وأوباما يحاول اللحاق بالركب … دمشق علقت الاتفاق الروسي التركي والمسلحون في حلب يتهمون إيران ويخرقون الاتفاق.. والجيش يستأنف عملياته لتحرير ما تبقّى

| وكالات

بدا لوهلة أن الاتفاق الروسي التركي حول إجلاء المسلحين من آخر معاقلهم في شرقي مدينة حلب، يترنح بعد سقوط الهدنة وعودة القصف المتبادل، وسط اتهامات من المسلحين لإيران بعرقلة الاتفاق عبر وضع شروط جديدة تتضمن فك الحصار عن كفريا والفوعة في محافظة إدلب، اللتين يحاصرهما «جيش الفتح» الذي تقوده «جبهة فتح الشام» (النصرة سابقاً). وسيتضح مصير الاتفاق الروسي التركي خلال الاتصال الحاسم الذي جرى بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان أمس. ومع حلول مساء الثلاثاء تم الإعلان عن اتفاق لإخلاء المسلحين والمدنيين من آخر جيب تحت سيطرة المسلحين شرقي مدينة حلب. وتوقف القتال حتى صباح أمس حيث كان من المفترض أن تنطلق الباصات لتقل المغادرين إلى إدلب وتركيا، حيث خرقته الجماعات المسلحة، بحسب ما أكدت وزارة الدفاع الروسية.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر وصفته بالقريب من دمشق قوله: «علقت الحكومة السورية اتفاق الإجلاء لارتفاع عدد الراغبين في المغادرة من ألفي مقاتل إلى عشرة آلاف شخص». وأضاف: «تطالب دمشق أيضاً بالحصول على قائمة بأسماء جميع الأشخاص المغادرين للتأكد من عدم وجود رهائن أو سجناء».
وبدوره صرح مصدر عسكري سوري بحسب قناة «الميادين»: إن «عدد الذين يريدون الخروج هو 15 ألفاً بينهم 4 آلاف مسلح مع عائلاتهم وآخرين»، مشدداً على ضرورة أن يحظى «أي اتفاق حول حلب بموافقة جميع الأطراف وفي مقدمهم الحكومة السورية» إضافة إلى «حلفائنا الروس والإيرانيين». كما أكد أنه «لا يمكن لأي اتفاق في حلب أن يمر من دون رؤية شاملة للتطورات الميدانية والإنسانية في مناطق أخرى». وأضاف موضحاً: «استمرار حصار المسلحين لمناطق مثل كفريا والفوعة يتطلب أن تكون المفاوضات شاملة». كما دعا إلى تذكر أن «لسورية وحلفائها عدداً كبيراً من المخطوفين والأسرى وجثامين شهداء لدى المسلحين».
وشددت «وحدة للإعلام العسكري» يديرها حزب اللـه اللبناني على أن المحادثات لا تزال جارية بشأن اتفاق لإجلاء المقاتلين من حلب، مؤكدةً أن الاتفاق سيكون ملغياً إن لم تلب مطالب الحكومة.
وفي غضون ذلك، اتهمت وزارة الدفاع الروسية «مقاتلين متمردين» بأنهم «اغتنموا الهدنة فتجمعوا عند الفجر وحاولوا خرق مواقع القوات السورية في شمالي غربي حلب»، لافتةً إلى استئناف قوات الجيش السوري عملياته لتحرير أحياء شرقي حلب».
وبحسب بيان صادر عن الوزارة، كان من المفترض أن يغادر المسلحون عند الساعة السادسة بتوقيت دمشق عبر حي صلاح الدين، لكن الحافلات التي كان يفترض أن تقلهم استهدفت بنيران مصدرها الأحياء التي لا يزالون فيها.
وفي موسكو، أعرب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن أمله في تسوية الوضع في شرقي حلب خلال يومين أو ثلاثة أيام، معتبراً المفاوضات مع واشنطن حول سورية «جلسات عديمة الجدوى». وقال في كلمة له: «أعول على أن ينهي المسلحون المقاومة خلال يومين أو ثلاثة أيام. وهؤلاء الذين سيرفضون ذلك.. فإنه خيار خاص بهم».
وقال لافروف: إن الجانب الروسي يجري محادثات مع الجماعات المسلحة كافة «على الأرض» باستثناء تنظيمي «داعش» و«النصرة»، مضيفاً: إن روسيا تجري كذلك حواراً مع دول المنطقة كافة، نافياً أن تكون موسكو تجبر المدنيين على الخروج من حلب.
وأشار إلى أن روسيا «فتحت ممرات إنسانية يخرج عشرات الآلاف من المدنيين عن طريقها من هناك ويحصلون على مساعدات إنسانية. كما فتحت ممرات للمسلحين، واقترحنا عليهم الخروج طوعاً، وقدمنا لهم ضمانات أمنية لكي يخرجوا». وشدد على أهمية «إنهاء كارثة حلب» على الرغم من أن خروج المسلحين يعني أنهم سينتشرون في مناطق أخرى. كما أشار إلى أن موسكو في حالة تواصل مستمر مع دول المنطقة كافة وعلى رأسها تركيا، لافتاً إلى أن قنوات الحوار مع أنقرة تحقق نجاحاً أكبر من مثيلاتها مع واشنطن. وانتقد موقف واشنطن خلال المفاوضات مع روسيا بشأن سورية، معتبراً أن هذا الموقف ينبع من رغبتها في تجنيب «جبهة النصرة» الضربة، واصفاً هذه المفاوضات بأنها «جلسات عديمة الجدوى». وأكد أهمية المبادرة لوضع قائمة موحدة للمنظمات الإرهابية، داعياً إلى تعزيز التعاون بين الاستخبارات والسياسيين والعسكريين في روسيا والولايات المتحدة من أجل إنشاء منظومة لتبادل المعلومات.
كما انتقد الدعوات الخاصة بضرورة وقف إطلاق النار في سورية، معتبراً أنها تهدف فقط إلى السماح للإرهابيين بالاستراحة. ولفت إلى استعداد موسكو منذ زمن بعيد لاستئناف عملية المفاوضات في سورية تحت إشراف الأمم المتحدة. وانتقد موقف «الهيئة العليا للمفاوضات» التي تساهم في عرقلة عملية المفاوضات. في المقابل، اتهمت مصادر من الميليشيات المسلحة في حلب إيران بعرقلة تنفيذ الإتفاق الروسي التركي، بوضعها شروطاً إضافية للشروع في تطبيق الاتفاق. وقالت المصادر: إن إيران تصر على إجراء عمليات إجلاء متزامنة لمصابين من قريتي الفوعة وكفريا المحاصرتين.
وذكر المستشار القانوني لميليشيات «الجيش الحر» أسامة أبو زيد، أن إيران تطالب بتسليمها جثث مقاتلين من الجماعات العراقية الذين قتلوا في حلب، والإفراج عن مقاتلين آخرين محتجزين كرهائن لدى «جيش الفتح». وأشار إلى أن تأكيد الجانب الروسي تمسكه بالاتفاق، لكنه شكك في مقدرة روسيا على حمل إيران على الالتزام بالصفقة».
وأكد «الفوج الأول» التابع لميليشيا «الحر» أن مسلحيه استهدفوا مواقع عدة للجيش السوري في حلب لكنه مسوغ ذلك بخرق الجيش للهدنة، وأكد أن قصفهم جاء بعد إعلامهم «لجنة التفاوض» بذلك وانهيار اتفاق وقف إطلاق النار.
ولإنقاذ التفاهم الروسي التركي حول حلب، أعلن أردوغان أنه سيجري اتصالاً مع بوتين، الأمر الذي أكده الكرملين في بيان رسمي.
ووصف أردوغان الوضع في الميدان الحلبي بأنه هش ومعقد، قائلاً: إن اتصالاته مستمرة مع الرئيس بوتين والمسؤولين الآخرين للتوصل إلى حل يضع حداً للقتال في حلب، وأشار إلى وزير خارجية تركيا ورئيس الاستخبارات يتابعان الوضع هناك عن كثب.
وقبيل الاتصال، وصف الناطق بلسان الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف الوضع في حلب بالمتوتر، قائلاً: يبقى (الوضع في حلب) متوتراً. وتشهد مدينة حلب تطورات إيجابية تتمثل في «تقدم القوات السورية واختتام عملية تحرير حلب من الإرهابيين».
وأشار بيسكوف إلى أن بوتين وأردوغان يديران حواراً وثيقاً، فيما يتعلق بسورية، ولفت إلى أن روسيا وتركيا ترغبان في حل الأزمة السورية بالطرق السياسية.
وفي تطابق مع مواقف المسلحين، حمل وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الجيش السوري وحلفاءه مسؤولية انهيار وقف إطلاق النار في حلب، متهماً إياه بانتهاك شروط الهدنة. وأكد أن الإجلاء لم يتحقق بالشكل اللازم بسبب عدد من العوائق، إلا أن الاستعدادات انتهت للقيام بذلك، مبيناً أن تركيا أنهت التحضيرات لاستقبال الخارجين في شمالي حلب وإدلب.
وللمرة الثانية خلال يومين أجرى جاويش أوغلو، اتصالاً هاتفياً مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، كما أجرى اتصالات هاتفية مع نظيريه الإيراني محمد جواد ظريف والقطري خالد العطية.
وظهر أن واشنطن تريد تفعيل دورها في تسوية أزمة حلب، بعد أن تمكنت تركيا من عقد اتفاق مع روسيا بشأنها. وفي هذا السياق، أمر الرئيس الأميركي باراك أوباما باتخاذ «الإجراءات الضرورية كافة بالتعاون مع الحلفاء والشركاء لخفض مستويات العنف (في مدينة حلب) وتحسين الوصول الإنساني وتمكين جميع الموجودين داخل المدينة المحاصرة من الخروج منها في حال رغبوا في ذلك»، وذلك خلال اجتماع عقده مع فريق مستشاريه للأمن القومي، اطلع خلاله على المعلومات حول «المأساة الإنسانية في حلب».
وذكر المتحدث باسم البيت الأبيض جوش أرنست أن الاجتماع كان مخصصاً «لتقدم الولايات المتحدة والتحالف الدولي» نحو الطريق إلى القضاء على تنظيم «داعش». وأبلغ المشاركون في الاجتماع أوباما بسير عملية تحرير مدينة الموصل العراقية والجهود الرامية إلى إحراز تقدم على محور الرقة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن