اقتصاد

تأمين «متذاكٍ»!

| علي هاشم

بما أن رئاسة الحكومة دعت المواطنين لإبداء الرأي حول تطوير مشروع التأمين الصحي، نشارك الأفكار:
سيكون على الحكومة تقليب السيناريوهات المقترحة لإصلاح قطاع التأمين الصحي جيدا، فما يكتنف كلا الخيارين اللذين صاغهما خبراء وزارة المالية من تقديس لنظرية (عقلنة الدعم)، يفرض على الرقابة الحكومية العليا اتباع ملكتها في اقتفاء الأثر الاجتماعي المتوقع لكليهما على ذوي الدخل المحدود.
تحت شعار (زيادة الدعم)، ذهب خبراء المالية إلى صياغة مقترحين لإصلاح حال التأمين الصحي، ينصح أولهما بتحريك بوليصة تأمين موظفي القطاع العام الإداري تبعا لكثرة الأمراض التي قد تصيبهم: تمرض أكثر، تدفع أكثر!!، علماً بأن البوليصة (المتحركة) هذه التي يصعب تطبيقها لأسباب لوجستية غنية عن الشرح، تبدو مجرد لثام يخفي النية في الذهاب إلى السيناريو الثاني وملخصه رفع قيمة البوليصة إلى 31 ألف ليرة، يدفع المؤمن عليه حصته منها بزيادة 300% عما يدفعه راهنا.
بالطبع، لم تعد بوليصة تأمين القطاع العام بكافية لتحقيق الأرباح التي كان يحصدها مزودو الخدمة (شركات، أطباء، صيادلة، مشاف..) قبل الحرب، وبحسب ما هو متفق عليه، فمرد ذلك هو الخلل في سوق النقد الذي يسجل قسم وازن منه ضمن سجل إخفاقات الحكومات المتتالية، إلا أن ذلك لا يجدر به تبرير محاولة حكومتنا الجديدة (نسبيا) إصلاحه- كسالفاتها- عبر استلهام (عقلنة الدعم) التي طالما كانت أيقونتنا الوحيدة لضبط ماليتنا العامة، وطالما دفع ذوو الدخل المحدود ثمنها ذلك.
ومع الاعتراف بأن قطاع التأمين الصحي يحتاج بالفعل إلى تبريد لمنغصاته الحالية، إلا أن اجتراح حلول (ذكية) قوامها مدّ اليد- مجدداً- إلى جيوب ذوي الدخل المحدود، لم يعد ممكنا، فهؤلاء ممن يصنفون كأحد المتربعين على عرش ضحايا الحرب، باتت قدرتهم المعيشية أشبه بغربال ذي ثقوب كبيرة إلى الدرجة التي لم تعد تصلح فيه دخولهم الميتة لاستخدامها كدريئة جاهزة لتلقي مزيد من الحلول المتذاكية.
مجدداً، يجب على الحكومة مراقبة (سيناريوي) المالية جيدا، فأقسى ما علمتنا إياه الحرب الاقتصادية، أنها لم تمر علينا جميعاً وأن مزودي الخدمة لن يموتوا جوعا على عكس محدودي الدخل، وعليها أن تدرك أن سور التعابير الفنية والنسب المئوية الذي ضربه خبراء المالية من داخل مقترحيهما إلى خارجهما، إنما يخفيان خلفهما ما يشبه استدراج عروض لمزيد من المخاطر الاجتماعية التي تتهدد إحدى أضعف الشرائح الاجتماعية راهنا، وأن تقديم مزيد من الدعم -حتى لو تم الاكتفاء بدفعه من حساب الخزينة من دون الموظفين- لا يجب إنفاقه إلا لمستحقيه الحقيقيين من ذوي الجيوب المتعبة تمكينا لمداها المجدي من تلبية متطلبات أصحابها الأساسية.
وإلا، فعلى الحكومة الاكتفاء بتطييب خواطر أطراف العملية التأمينية وترك كل منهم يمضغ ما في فمه من صبّار، ورفض ما يحاوله (سيناريوا) المالية لانتزاع الصبار من أفواه مزودي الخدمات (شركات نفقات، مشاف خاصة، أطباء، صيادلة)، وتلقيمه في أفواه المؤمن عليهم، فقياسا بمخاطرهما المحتملة، تبرز جدوى ترك الأمور على حالها بعيداً من الحلول الذكية التي قد تطيح ما بقي من عقول للموظفين (المدعومين) إلى حين نجاح الحكومة في قطف ثمار إستراتيجياتها الإنتاجية التي سيكون لها وحدها القدرة على موازنة الخلل الاقتصادي القائم، ومن ضمنه إصلاح قطاع التأمين الصحي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن