من دفتر الوطن

كوكب الحب!!

| عصام داري 

أذكر أنني كتبت منذ زمن مقالة عن الخيال وسرعته الهائلة على قطع المسافات والحواجز الزمنية والجغرافية، وقدرته غير المحدودة على صنع عوالم غير موجودة، وتحويل أصعب وأكثر الأحلام استحالة إلى حقائق وواقع معيش.
اليوم أجدد الحلم، وأنتقل من عالمي الراهن إلى عالم متخيل رائع وبديع وأخاذ وساحر، فلماذا لا نفعل ونأخذ إجازة من حياتنا الرتيبة المملة ونذهب في رحلة خرافية تبعدنا عما لا نحب أن نراه ونتواصل معه؟.
نسافر اليوم أو غداً لمسافات شاسعة من دون أن نغادر مكاننا، الحلم يحملنا إلى كوكب بعيد أسميه كوكب الحب، ونقبل أن يكون كويكباً صغيراً، سكانه لا يتقنون إلا الحب والمحبة، ويعيشون في أجواء الفرح والبهجة، قاموسهم لا يحتوي كلمات البغضاء والكراهية والأحقاد والثأر والقتل ولا يعرفون اغتيال الجسد والروح، ولا سحق الأزاهير وقتل العصافير.
الحلم يحملني إلى هناك هرباً من توحش من يظنون أنهم من فصيلة البشر، والبشرية منهم براء.
الحلم الجميل ممنوع في أرض الكوابيس المرعبة، وفي زمن التوحش والغربان والغيلان، لكننا سنبحر في أحلامنا إلى آخر مدى، نعرف أننا لن نبلغ يوماً كوكب الحب الذي تخيلناه ونتوق إليه، لكننا سنعيش الحب الذي نصنعه لنا وللآخرين، رغماً عن الزمن الغادر، والحظ العاثر، ورغم الأشواك المزروعة في الدروب، والعقبات والعوائق والألغام.
لن نبارح الخيال العلمي الذي فتح لنا بوابة الخيال حيث أتاح لنا تصور أمور ممكن أن نصدقها أو نتمنى أن تكون حقيقية، كأن نستعير من الكاتب الإنكليزي هربرت جورج ويلز «آلة الزمن» التي تصور أنه اخترعها في الرواية التي تحمل الاسم نفسه، وفي هذه الآلة نستطيع أن نسافر في الزمن، ونعود إلى تواريخ نختارها، ونعيش التجربة وكأنها حقيقة.
وإذا كنت أبحث عن كويكب الحب الذي تخيلته، فقد سبقني إليه الكاتب الروسي الكبير فيودور دوستويفسكي الذي كتب قصة قصيرة لا تتجاوز الخمسين صفحة إلا بقليل، حيث تخيل أن مركبة فضائية نقلت شخصاً من الأرض إلى كوكب بعيد جميل بطبيعته وأهله الذين لا يعرفون إلا الحب والتعاون والتلاحم ولا يعرفون الحقد والثأر والجريمة، وغير ذلك مما هو موجود في الأرض.
والرسالة من هذه القصة أن هذا الكوكب تحول بعد فترة زمنية قصيرة إلى نسخة من الأرض ليس لشيء إلا أن شخصاً من الأرض نقل للكوكب فيروسات الإنسان من كراهية وأنانية وإجرام وأحقاد وغير ذلك.
الحكمة من قصة دوستويفسكي، أن شخصاً فاسداً واحداً بمقدوره أن يحول كوكباً فاضلاً إلى كوكب ملوث بكل آفات كوكبنا الأرضي الذي نعيش عليه، وأظن أن لدينا من الفاسدين ما يجعل مجرة درب التبانة برمتها مرتعاً رحباً للفساد والرذيلة والأهواء الدنيئة والغش والخداع!.
هل أبحث عن كوكب الحب من دون فيروسات معظم أهل الأرض؟!.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن