ثقافة وفن

«إكليل شوك» فوق رأس غيابه فلاسفة الحروب تضاحكوا.. مرحين يفترشون أحزان الدروب

| سارة سلامة

يمتاز الدكتور راتب سكر بثراء انتمائه الوجداني واتساعه وعمقه، كما يرفده انفتاح ثقافي فكري وشعري مؤمن بطيوفه، يتنوع عنده شكل القصيدة، ولكنه يتألق في وحدة الشخصية الفنية والفكرية، قصائده يتعانق فيها السرد والصورة في إيقاعات حديثة، وخاطرة شعرية غنية بإضاءاتها السريالية، واليوم يطل علينا بمجموعة شعرية جديدة بعنوان «إكليل من شوك»، التي صدرت عن وزارة الثقافة والهيئة السورية للكتاب، وضمّت المجموعة 4 أجزاء هي: من أعالي الغيب، صندل وشاحنات، رنين الخوابي، ثلاثة أناشيد، وكل جزء منها يحتوي على عدة قصائد، وابتدأ سكر المجموعة بإهداء جاء فيه: «إلى ذلك الطفل العنيد رهين أحلامه المسربلة بالخوف! ما إن قلت له: عليك الأمان حتى قفز من قفصه صائحاً: كوكو.. كوكو».
إكليل من شوك وهي العنوان الذي اختاره الشاعر ليكون عنوان المجموعة الشعرية:

إكليل شوك
فوق رأس غيابه
قيثارةٌ مكسورة الأوتار
تغفو في غموض ضبابه
يبس يغطي صوته
يبس بلحن ربابه
وسحابةٌ
هلّت تراه هلال نور
في نشيد صحابه
هو ينحني متوجعاً بظلامه
وسياط أهل الظلم تكسر خطوة
بدروب رحلته لخضر قبابه
كيف السبيل إلى تلال ضيائه؟
في قصيدة عربات في ظلام تتحدث عن حالة من الألم والفراق، وصف خلالها وداع الأحبة بمنزلة الظلام، فالقطار أو العربة التي تأخذ معها من نحب تمضي وتترك لنا غصة في القلب ودمعة في العين وظلمة:

عربات
في دروب من ظلام
لوّحت خلف زجاج
خافت النور
أياد من حنين
بمناديل تدلّت
كطيوف لعذارى هائمات
في قطار من سحاب
عرباتٌ، عربات
أطلقت في ظلمة عاتيةٍ
صوت عويلٍ من دخان
ومضت تاركةً بحّة صوتي
نهب ترتيل وجيعٍ
وانتحاب..
في مقطوعة جناح سفر تحدث عن صديق غال على قلبه اختار السفر طريقه تاركاً بلده ولكن لم يخف شعوره بالتعب وهذا حال الإنسان عند فراق بلده، فبكى العاصي وقلعة شيزر في إشارة إلى مدينة حماة:
لي صاحب تاهت ربابته على ظلماته
فبكى عشية جاوز العاصي وشيزر
ساحباً بحنينها أناتّه
لمّا رأى الدنيا تكيد له
ويخفر قيدها وظلامها خطواته
لي صاحبٌ صاحت مواجعه
تلفّت قلبه لمّا تناءى دربه
أدمت قيود نشيده نظراته
وأضاع في طين الظلام عيونه
لي صاحب حدّثته عن كربتي
فرأيت كيف كوى حديث مواجدي
أيامه بأسى ظلامته
وزاد شجونه..
في مقطوعة بؤس الفلسفة تناول فيها القائمين على الحروب وخاطبهم مستهجناً فرحهم بالمآسي التي خلفوها في حياة الشعوب، مخلفين وراءهم كل هذا الدمار في الأرض والبشر حتى الشجر لم يسلم منهم، ولكنه وعدهم بنهاية حزينة وندم شديد سيكون بانتظارهم، أما نحن فسيكتب لنا مستقبل واعدٌ وجميل:

فلاسفة الحروب تضاحكوا
مرحين يفترشون أحزان الدروب
يفتّشون معاصم القتلى
يثيرون الغبار
على موائد من دمار
في مكائدهم
يعدّون العويل نشيد مجد
ساحبين نحيبه
إكليل شوك للقصائد
في خرائب فقدها الثكلى
أراهم متعبين تدافعوا
قصّوا ضفائر شجرة الدفلى
رأيت على مشارف حزنهم
ندما يصلّي حالما بغدٍ
تفيض وعوده من نور حكمته:
غدا أحلى.
في مقطوعة ضجر قديم نرى الشاعر يعيش في غربة تضنيه من ضجر وصمت حتى مع وجود بعض الأصدقاء فهذا وحده غير كاف لترتاح روحه، ويرجح أن من أحد الأسباب قد يكون عدم الاستقرار وهنا قال إنه لم يلتق بفتاة يحبها من الممكن أن تخفف عنه الكثير من مشقات الغربة وتعوضه عما تفتقر إليه روحه:

ضجرٌ يسكن صوتي
والأغاني في يباب
من أعالي موج أيّامي
يغطّي يبس الصمت
نشيدا فاجع الرؤيا بقلبي
مالئا نفسي بفيضٍ من وعود
في أعالي جبلٍ
من ظلماتٍ
وجرود
سهرت بين سلالٍ وغلال
رفعت بيرق حزن ثم نادتني: صديقي
فمضينا من تلالٍ لتلال
ضجرٌ
يسكن في غربة ساحات بعيدا
لا أرى ممشوقة القدّ بدربي
ظلماتٌ من أسى تنهب روحي
هو شوقٌ هائج الموج كواني
صرخة الحزن تنائي
زورقي السكران..

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن