ثقافة وفن

مراوغة لا أكثر

| د. اسكندر لوقا

قد تصعب أحياناً قراءة التاريخ القديم نسبياً، لاعتبارات عدم وضوح العلاقة بين الأمس واليوم وضوحاً كاملاً. وقد يصعب الوصول إلى حقيقة ما جرى إلا في حالة واحدة، تمكننا من تجاوز الصعوبة، وهي إعادة قراءة أوراق التاريخ مقارنة مع ما يحدث اليوم، والوقوف عند مفاصل الأحداث التي جرت وتحليلها، وصولاً إلى الحقيقة المنشودة.
في التاريخ المعاصر، ثمة وثائق تشير إلى شيء ولا تفصح عن حقيقة هذا الشيء، وذلك لاعتبارات سياسية إقليمية أو دولية، وذلك على غرار وثيقة عرفت باسم اتفاقية «بيدو- بيفن» بتاريخ 13 كانون الأول عام 1945 التي نصت، من حيث الظاهر، كما تبين فيما بعد، على الجلاء التدريجي للقوات الفرنسية والبريطانية من سورية، ولكن «مع الاحتفاظ بقوى كافية لضمان السلامة التامة في الشرق الأوسط».
من حيث المبدأ يمكن القول إن الاتفاقية تستند إلى نيات صادقة باتجاه منطقة الشرق الأوسط، إلى أن جاءت الأحداث لتشير إلى أن عقد الاتفاقية المذكورة كان من جهة تقاسم المنطقة بين الدولتين الفرنسية والبريطانية، على غرار اتفاقية سايكس- بيكو.
والقارئ لهذه الاتفاقية يدرك المعاني الكامنة وراء عبارة «الاحتفاظ بقوى كافية لضمن السلامة التامة في الشرق الأوسط» وذلك في سياق الأحداث التي تلت وتخطت الاتفاقية على الورق وبعيداً عن مجريات الأحداث التي تلتها وفي مقدمها زيادة تردي الأوضاع في المنطقة عموماً، وإصرار أبنائها على نيل الاستقلال، بعيداً عن الوعود والاتفاقيات التي سبق أن أبرمت قبل هذه الاتفاقية، اتفاقية «بيدو- بيفن» وبعدها إذ كان دأب حلفاء الحرب العالمية الأولى، أن يقطفوا ثمار فوزهم على دول المحور وبينها السيطرة على منطقة الشرق الأوسط، وذلك من خلال تقديم الوعود لا أكثر، إلى أن سقطت هذه الاتفاقية في تجربة الاختبار، وكان رد فعل المستعمر على انتفاضة أهالي المنطقة، المزيد من عمليات الملاحقة وكم الأفواه. ومع سقوط الاتفاقية في التجربة، تكشفت نيات المستعمر الذي حاول أن ينال من صمود أهالي المنطقة بشتى أساليب الترغيب والتهديد ولم يفلح في إلحاق الهزيمة بإرادة الشعب الذي لم يقهر على مدى التاريخ، فبقي صامداً حتى يوم الاستقلال وسقوط الاتفاقيات السرية والمعلنة كافة، وخصوصاً تلك القائمة على مبدأ المراوغة والتخدير فوق أرض معركة الدفاع عن الوطن.
يقول الناشط السياسي الإنساني مارتن لوثر كينغ (1929- 1968): مهما راوغ الإنسان لتضليل سواه فلابد أن يسقط في تجربة الامتحان وتنتصر إرادة الحياة».

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن