قضايا وآراء

هل تقلب أوروبا مع الصين قواعد اللعبة الأميركية؟

تحسين الحلبي :

 

إذا كانت الولايات المتحدة ترغب بالظهور بمظهر من يقلل من أهمية دول كتلة (البريكس) روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا ودورها في الساحة الدولية وفي دعم قوى إقليمية كبرى في مختلف القارات فإن إستراتيجية الأمن الأوروبي تحرص على إعطاء اهتمام متزايد لدول البريكس من الناحيتين الاقتصادية والأمنية الدولية. ففي دراسة أعدها (معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية) في حزيران الجاري يؤكد الاتحاد أن دول «البريكس» تحقق نفوذاَ متزايداً على الساحة الدولية رغم أزمة روسيا مع أوكرانيا والعقوبات المفروضة عليها وتكشف الدراسة أن إيران وسورية تشكلان أهم الدول الإقليمية التي تحرص كتلة (البريكس) على حماية استقلالهما وسيادتهما باعتبارهما حليفين استراتيجيين في منطقة آسيا والبحر المتوسط.
ويتوقع (معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية) أن تصبح دول (بريكس) الشريك الأساسي في جميع المشاريع في إيران وسورية وخصوصاً في إعادة البناء في سورية بعد أن أسست دول البريكس صندوقين دوليين مستقلين عن صندوق النقد الدولي (الذي يخضع للسطوة الأميركية) وتبلغ قيمة رأسمالهما ما يزيد على (200) مليار دولار وفي تشرين أول الماضي تمكنت الصين والهند من تجنيد (21) دولة آسيوية لتأسيس (بنك الاستثمار في البنية التحتية الآسيوية) انضمت إليه روسيا قبل شهرين وأصبح رأسماله بقيمة تزيد على مئة مليار دولار بعد أن زودته الصين بـ(50) ملياراً.
ويخشى الاتحاد الأوروبي من انفصال دولة اليونان عن النقد الأوروبي (اليورو) ويتجه نحو اقتصاد لا يلزمه بشروط الاتحاد النقدية ويفتح الباب أمام تعاونه الوثيق مع دول البريكس للتغلب على أزمة ديونه الأوروبية… فالعالم بدأ يعتاد على وجود كتلتين اقتصاديتين وسياسيتين وعسكريتين أيضاً طالما أن الولايات المتحدة توسع نفوذها العسكري في دول أوروبا مقابل تزايد التعاون العسكري بين روسيا والصين وحلفائهما في دول البريكس.. ويبدو أن واشنطن وبكين بشكل خاص تتنافسان على كسب الدول الأوروبية ففي عام (2013) نشر المعهد الأوروبي للدراسات الأمنية دراسة مطولة حول أهمية الصين للاتحاد الأوروبي بعنوان: (بروكسل والصين: هل تتغير قواعد اللعبة بين الاتحاد الأوروبي والصين؟ جاء فيها أن «الصين تشكل فرصة كبيرة للاتحاد الأوروبي مثلما تشكل تحدياً لأنها مرشحة للتحول إلى أكبر شريك تجاري وأن الصين زادت من رصيدها من العملة الأوروبية بنسبة 30% من الاحتياطي الصيني الخاص بالعملات الأجنبية.
وتستنتج الدراسة الأوروبية بأن الضرورة تستلزم من الاتحاد الأوروبي المحافظة على حوار استراتيجي دائم مع الصين حول الشؤون الأمنية والعسكرية الدولية والتعاون معها في مسائل الأمن الدولي وهذا ما يشكل اعترافاً أوروبياً بالدور الصيني على ساحة الأمن والسلام الدوليين وخصوصاً في آسيا والشرق الأوسط رغم أن الاتحاد الأوروبي ما زال يحظر تصدير الأسلحة للصين منذ عام 2005.
لكن هذه السياسة الأوروبية لا تتفق بشكل عام مع التصعيد العسكري الأميركي الذي تقوده إدارة أوباما ضد الصين فالشعار الأوروبي الاستراتيجي هو: (ضمان أمن أوروبا في عالم أفضل) وهذا الهدف الأوروبي لا يمكن تحقيقه طالما تتجه واشنطن نحو تسخين النزاعات الإقليمية الآسيوية مع الصين في بحر الصين وطالما تدفع باليابان نحو نزاع ساخن ضد الصين.. ولذلك ترى الدراسة أن أخطر المناطق التي يمكن أن تولد حرباً بين العملاقين الأميركي والصيني أصبحت الآن تنحصر في منطقة دول شرق آسيا ما لم يتمكن الطرفان الأميركي والصيني من التوصل إلى اتفاق يشكل انفراجاً لأي احتمال بالصدام بينهما.. ويتوقع المراقبون في أوروبا أن لا تنجر الدول الأوروبية إلى أي صدام عسكري في السنوات المقبلة باستثناء بريطانيا التي بدأت تسعى إلى الانفصال عن الاتحاد الأوروبي لكي تقود من جديد سياسة تحالف عسكري حر مع الولايات المتحدة على حساب أوروبا نفسها، فبريطانيا ستصوت بعد عام أو أكثر على استفتاء يحسم موضوع استمرار وجودها في الاتحاد الأوروبي. لكنه أصبح من الطبيعي الآن الاعتقاد بأن الصين تحولت إلى قوة كبرى في وجه الولايات المتحدة وبقيت أوروبا على حالها بينما يصعد الدور الروسي مع الصين بشراكة لا حدود لها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن