ثقافة وفن

البراءة والجمال توّجاها ملكة للأدوار الرومانسية … زبيدة ثروت صاحبة أجمل عينين رحلت مع رغبتها في أن تُدفن قرب العندليب الأسمر

| سوسن صيداوي

لا يمكن للكلمات أن توجز سيرة حياة.. وأمر صعب أن تعبّر الحروف عما عاشه الشخص خلال حياته، والأمرالأصعب أن تشرح الجُمل وتفسّر كل ما صادفه المرء من حوادث وأمور وتطورات وكل شيء. ونحن اليوم أمام سيرة توثيقية موجزة جداً لحياة فنانة عاصرت العمالقة وعايشتهم وكانت مقربة منهم، ومنهم من أُغرم بها، ومنهم من طلب الزواج بها، وأيضاً من بينهم من وقف إلى جانبها في الأفلام السينمائية أو المسرح وحتى في المسلسلات الدرامية، إنها الراحلة الملّقبة بـ«قطة السينما المصرية» أو«صاحبة أجمل عيون».. الفنانة زبيدة ثروت التي غيّبها الموت عن عالمنا عن عمر ناهز 76 عاماً، بعد أن تعرضت العام الماضي لأكثر من انتكاسة صحية، أُدخلت إثرها إلى العناية المركزة في المستشفى، بسبب مضاعفات التهاب رئوي بسبب تدخينها للسجائر بشراهة كبيرة، وكانت وافتها المنية مساء الثلاثاء في 13/12/2016، داخل مستشفى الصفا وشُيّع جثمانها إلى مثواه الأخير بمقابر الأسرة بمصر الجديدة بالمهندسين من مسجد السيدة نفيسة بالقاهرة وسط حضور فني محدود اقتصر على وجود الفنانتين دلال عبد العزيز ونهال عنبر، والفنان منير مكرم عضو مجلس إدارة نقابة المهن، والإعلامي عمرو الليثي، والكاتب محمد عبد القدوس، إضافة إلى أفراد عائلتها وعلى رأسهم بناتها الأربع. ودّعتنا صاحبة أجمل وجه بريء حصر لها بالأدوار الرومانسية في شخصية الحبيبة والصديقة والمخلصة، وأيضاً الملامح فعلت فعلها وكانت حداً عائقاً أمام تجسيد العنف والظلم من الشخصيات التي وقفت أمامها ثروت لأنها منعت تلك الشخصيات من أداء الدور، وهذا ما حصل مع الفنانة القديرة سناء جميل التي لم تستطع صفعها رغم تكرار المحاولات، وفي النهاية اتُفق على تغيير المشهد من الصفعة إلى الصرخة.
أصلها ونسبها
ولدت زبيدة ثروت في عام 1940 في مدينة الإسكندرية، بينما يشير البعض إلى أنها من أصول شركسية، من أب كان يعمل ضابطاً في الشرطة المصرية وأم من العائلة المالكة، فزبيدة حسين كامل من جهة الأم هي زبيدة حسين كامل ابنة السلطان الذي حكم مصر من عام 1914 حتى عام 1917، لكن حفيدة السلطان حسين كامل ابن الخديوي إسماعيل، فضّلت إخفاء هذه المعلومة عن أصدقائها في الوسط الفني بعد ثورة يوليو 1952، هذه الثورة التي تحفّظت على كل أموال والدتها، وجردتها حتى من سلسلة آية الكرسي.

جمال ومراهقة
جمال زبيدة ثروت غير المألوف عن الجمال المصري، كان مفتاحاً لها كي يُسّلط الضوء عليها حتى وهي بعمر المراهقة، وحول قصة اختيارها كأجمل مراهقة كانت روت الراحلة في أحد حوارتها «لقد أنعم اللـه عليّ منذ طفولتي أنا وشقيقتي بنعمة الجمال، وكان جمالنا محط أنظار الجميع في الحي الذي نشأنا فيه، وأثناء دراستنا بالمرحلة الإعدادية قامت إحدى المدرسات بإرسال صورتي وكذلك صورة شقيقتي إلى مسابقة نظمتها مجلة (الجيل) التي كانت تصدر حينئذ لاختيار أجمل مراهقة، وكانت المفاجأة الجميلة أنني فزت بالمركز الأول بفارق خمسة آلاف صوت عن الفتاة التي حصلت على المركز الثاني، أما أختي فقد حصلت على المركز التاسع».

المحاماة والجَد
الرغبة عند الأهل ترسم طرقات ويجب على الأبناء السير فيها وتحقيق رغبة الأهل أو العائلة، وهذا ما حصل مع الفنانة الراحلة زبيدة ثروت التي كان جَدها من أشهر المحامين في الإسكندرية، وكان رافضاً دخولها التمثيل بشدة، كما هددها مع أهلها بحرمانهم من الميراث، وهذا ما كشفت عنه الراحلة في إحدى المقابلات «جدي هو الوحيد الذي اعترض، ووصل الأمر به لتهديدي أنا وأبي وأمي بالحرمان من الميراث إذا استمر عملي في التمثيل، ولكن بعد سنوات على عملي بمجال الفن التحقت بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية إرضاءً له، والتحاقي في الكلية كان خطوة ذكية ومعها اطمئن جدي واعتقد أنني بعد انتهاء الدراسة سأنشغل بالمحاماة وأنسى تماماً موضوع التمثيل. وبعد أن تخرجت عملت بالفعل محامية تحت التمرين بمكتب الأستاذ لبيب معوض المحامي الشهير، وكان وجودي في هذا المكتب بمنزلة تحويله إلى ملتقى للمعجبين، فأصحاب القضايا كانوا يأتون لرؤيتي والنظر إليّ وينسون القضايا ويتحدثون معي عن الفن والسينما، بالطبع لم يعجب الأستاذ لبيب هذا الحال ونبهني أكثر من مرة بأن هذا المكان للعمل وليس (للدلع) واتصل بجدي، ورغم محاولات الأخير معه بأن يصبر عليّ إلا أن الأمر لم يستمر كثيراً حيث تركت المكتب في النهاية وانتهت صلتي بالمحاماة إلى الأبد».

بداية الفن.. مشوار
مصادفة اختيار زبيدة ثروت كأجمل مراهقة ونشر صورتها في المجلة، كانت مفتاح عبور إلى مكان بعيد عمّا كانت العائلة تخطط له، والمقصود هنا كما ذكرنا أعلاه، ما كان يخطط له الجَد على التحديد، فوالد الفنانة الراحلة كان مرحباً جداً بفكرة أن تكون فنانة على الرغم من حزمه وشخصيته القوية بحكم وظيفته في الشرطة، وهذا ما كشفت عنه قائلة «كان أبي يشجعني لأنه كان عاشقاً للفن ويرى على عكس الكثيرين، بأنّ الفن رسالة سامية، وأذكر في سنوات عملي الأولى أنه كان يحضر التصوير معي ويشاهدني ويشجعني، وكان كل سيناريو يأتيني يقرؤه هو أولاً ثم يوافق أو يعترض عليه».

أول وآخر عمل
كان أول عمل ظهرت فيه قطة الشاشة هو فيلم سينمائي بعنوان «دليلة» عام 1956، وكان دورها مقتصراً على الظهور لعدة دقائق مع شادية وعبد الحليم حافظ. أما آخر عمل شاركت فيه فكان مسرحية اسمها «عائلة سعيدة جداً» مع أمين الهنيدي والمنتصر باللـه تأليف وإخراج الراحل السيد بدير، ومثلت أيضاً مسرحية «20 فرخة وديك» وقررت الاعتزال من السينما في أواخر السبعينيات بعد فيلم «المذنبون» إخراج سعيد مرزوق، بسبب انشغالها مع أحفادها من بناتها الأربع، ولأنها لم تتلق العروض التي كانت تتمنى تقديمها في هذه المرحلة، لكنها عادت وظهرت في عدد من المسلسلات التلفزيونية والأعمال المسرحية من بينها «أنا وهي ومراتي» 1978 و«عائلة سعيدة جداً» 1985، و«مين يقدر على ريم» 1987، قبل اعتزالها العمل الفني في أواخر الثمانينيات.

بعضٌ من مشوار
يُذكر أن الفنانة الراحلة قدمت مجموعة من الأفلام في السينما منها «نساء في حياتي» مع رشدي أباظة وهند رستم إخراج فطين عبد الوهاب، و«الملاك الصغير» مع يوسف وهبي ويحيى شاهين و«بنت 17» مع أحمد رمزي وزوزو ماضي و«شمس لا تغيب» مع كمال الشناوي إخراج حسين حلمي المهندس، و«في بيتنا رجل» مع عمر الشريف وحسين رياض وحسن يوسف وزهرة العلا وفيلم «زمان يا حب» مع الموسيقار فريد الأطرش.
الزواج والأبناء

تزوجت زبيدة ثروت خمس مرات، الأولى في بداية حياتها من الرياضي إيهاب العزاوي، والثانية من المنتج السوري صبحي فرحات وأنجبت منه بناتها الأربع ريم ورشا ومها وقسمت، وتزوجت للمرة الثالثة من المهندس ولاء إسماعيل، والمرة الرابعة من الممثل عمر ناجي، أما آخر زيجاتها فكانت من الكوافير اللبناني نعيم.

للنجوم.. غرام
كانت الراحلة بعيدة عن الإعلام وبعد غياب دام 39 عاماً، ظهرت ثروت مع الإعلامي عمرو الليثي في برنامجه «بوضوح» وكشفت خلال البرنامج وليومين متتاليين عن علاقتها بالنجوم ومن أُغرم بها منهم وقالت «كان أسطورة كرة القدم البرازيلي بيليه يطاردني وهذا حصل عندما كنت في الكويت من أجل مناسبة فنية، وكنت أقيم في الفندق نفسه الذي يقيم فيه بيليه، وأنا قابلته أثناء دخولي الفندق، كان يلتف حوله الناس ويرحبون به بالورود، فوجدته يخلع طوقاً من الورد كان يضعه حول عنقه ويمنحه لي، وأينما تحركت كنت أجده في وجهي ينتظرني، لقد أحبني حباً كبيراً وكان يريد الزواج مني واصطحابي إلى البرازيل، لكنه لا يعرف التحدث باللغة الإنجليزية أو العربية، ولم أفهم منه شيئاً، وحتى عزت العلايلي كان يجري خلفي ويقول لي (والنبي) يا مدام زبيدة أريد مقابلة بيليه».
وعن علاقتها بالفنان أحمد رمزي، قالت زبيدة «ابن ناس وأخلاق وذوق»، أما عن الفنان حسين رياض فقالت «كان يحبني جداً على الملأ وقدام الناس»، كما كشفت أن محمود المليجي كان كوميدياً على عكس ما يراه الناس.

بقي بين ثروت والعندليب.. وصيّة
قائمة من سحرتهم عيون زبيدة ثروت كانت طويلة ولكن هي بمن سُحرت وأغرمت؟. هنا لابد لنا أن نذكر أنها أغرمت جداً بالعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ وكانت كشفت في آخر ظهور لها على الشاشة مع عمرو الليثي، بأنه لو تقدّم عبد الحليم للزواج منها كانت وافقت على الفور، والذي هو معروف عند الجميع بأن العندليب كان يحبها كثيراً وحاول التقدّم لها لأكثر من مرة، ولكنّ والدها كان يقول «لن أزوّج ابنتي لمغنواتي»، ولكن هي التي قالت «وصيتي متتدفنونيش غير جنب عبد الحليم حافظ»، معترفة بأنها ما زالت تحب العندليب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن