اقتصاد

الإعمار.. محطة في بوابة الانتصارات السورية

| د. عبد اللـه الغربي

منذ أكثر من 8000 عام ق.م وسورية تتعرض لحروب وغزوات حاقدة بسبب تفوقها في كل شيء، لكنها كانت تثبت دوما أنها تقوم وتعود لتحيا من جديد آخذة موقعها ووزنها النوعي وثقلها بحيث تكون رائدة للوجود الحضاري والإنساني في العالم.
استهدفت سورية في العصر الحديث، فكان السوريون مثلا في التضحية والمقاومة وتلقين الغزاة دروسا لن ينسوها، بدءا من تشرين التحرير وليس آخرها حرب الوجود التي يخوضها الجيش العربي السوري، والقوات المسلحة خلف قيادة حكيمة، وقائد اختزل في قامته خصال القادة العظام في التاريخ من صبر وصمود وإنسانية وتحد وذكاء، وقد التفت حوله جماهير الشعب مؤمنة بقيادته وقدرته على نقل البلاد إلى بر الأمان كما فعل والده القائد الخالد، الذي بنى سورية الحديثة وأسس دولة يحسب وزنها في المحافل الدولية، فلم تستطع كل الحروب أن تنال من هذه القلعة الشامخة، لذلك جاء استهداف العقل السوري من خلال تغييب ثقافات مهمة، وإدخال ثقافات غريبة وبعيدة كل البعد عن ثقافات مجتمعنا المشرقي، وكما كان العقل السوري ولادّا في السابق وأعاد سورية إلى موقعها الأساسي في الوجود وقيادة الحضارات، هو اليوم يثبت من جديد متحديا كل الصعوبات من إرهاب اقتصادي واجتماعي وثقافي ومعرفي وسياسي وإنساني، ليبدأ إعادتها وبقوة عبر الإعمار بيد وبالأخرى يكافح الإرهاب. لماذا استهدف العقل السوري؟
سؤال بات جوابه لدى الجميع، ولم يعد خافيا على أحد فأول من نطقها في العصر الحديث جمال عبد الناصر عندما قال: «سورية هي قلب العروبة النابض»، فمن البدهي أن يستهدف القلب ليموت الجسد، لأن العدو يدرك أنه لم يكن سوى سورية التي دأبت على فتح ذراعيها لكل العرب، من دون استثناء، وبلا تأشيرات دخول، ولم تكن ترفض أن تستقبل من يجيء إليها لاجئا غريبا، أو دارسا فقيرا، أو ضيفا عابر سبيل وليس آخرهم الشهيد التونسي محمد الزاوي، وسورية كانت تطعم الجوار من لبنانيين وفلسطينيين وعراقيين وأردنيين بسبب الغلاء الفاحش في بلدانهم، كانت الخيرات السورية تقدم بشبه المجان كالطبابة والتعليم والغذاء والنقل، والأمن السوري يشهد له عبر العالم بقوته وتماسكه، فجاء الاستهداف ليحطم كل الامتيازات التي تتميز بها سورية، وتعتبر من خلالها أم العرب والفقراء.
الإعمار بدأ مع أول طلقة سددتها بنادق جنودنا البواسل، لأن القيادة الحكيمة أدركت أن مقاومة الفكر الظلامي الآتي من الجاهلية متسترا بلبوس ما يسمى الربيع العربي، والثورات الناعمة التي تمخض الحال فيها إلى وحوش كاسرة لا تفهم إلا بلغة السواطير والدم، فالمواجهة هي أول حجرة أساس في إعادة الإعمار، والتخلص من هذه الشوائب التي تعيق نهضة الدولة السورية بل، تعيق نهضة الأمة العربية والدليل ما يجري في ليبيا وفلسطين والعراق والحجاز، فكانت الدولة السورية أول دولة تجرأت واتخذت قرار المواجهة، وتحدت أمة الإرهاب «الولايات المتحدة الأميركية وربيبتها إسرائيل، وأذنابها من الرجعية العربية «واستمرت المواجهة، فغدت حلب عروس الانتصارات التي قلبت الطاولة على سادة الإرهاب، لأن حلب لا يليق بها إلا العلم السوري طرحة تزفها إلى أبطال الجيش العربي السوري عادت حرة مصانة، وهي العاصمة الاقتصادية التي أذلت الدولار في الماضي، وأذلت العثمانيين عندما حاصروا لبنان، فكانت الأغنية التي غنتها السيدة فيروز «عالروزانا» مثالا واضحاً وصريحا على عظمة حلب وأهلها، حيث كسر الحلبيون إرادة الحصار المفروض على أشقائهم اللبنانيين، واليوم حلب ستكسر الحصار بأحفاد أولئك الحلبيين الشرفاء ليس عن لبنان بل عن بلدهم سورية، وعن أهلهم في هذا البلد العظيم، فحلب كما قال قائد الوطن حولت الزمن إلى تاريخ واليوم بهمة كل سوري شريف سنحول الزمن إلى تاريخ في كيفية بناء بلدنا وإعادة إعمارها.
أدخلت الحرب ثقافات مختلفة عن البيئة السورية كثقافة الذبح والاستغلال وانتشر الغش والتدليس والاحتكار، وعادت الولاءات العشائرية والمذاهبية والمناطقية لتظهر في المناطق التي دخلها الإرهاب، إلا أن الدولة السورية كانت حاضرة وإن ابتعدت في المراحل الأولى عن الشعب نتيجة لمواجهة الغزو الخارجي إلا أنها عادت وبقوة، ومسؤوليتنا تتمثل في إعادة الثقة الحقيقية بين الشعب ومؤسسات القطاع العام، من خلال الكشف عن الفاسدين ومحاربتهم ومحاسبتهم دون رحمة، ومن خلال إعادة تفعيل دور تلك المؤسسات ورفدها بالعناصر النوعية، لتحقيق العدالة الاجتماعية وإعادة إحياء الطبقة الوسطى التي تعتبر الرافعة الأساسية لأي نهضة وجودية، فالمرحلة تتطلب وجود الشرفاء ليعملوا مع بعضهم كخلايا النحل بدءا من أصغر فرد إلى أكبرهم، ولعل الاهتمام بالفرد هو الأساس لأنه العنصر الأهم في أي عملية تنموية لذلك نحن بحاجة إلى إعادة بناء النفوس التي ذاقت الويل من الإرهاب، إما لفقد عزيز وإما لتهجير وحرمان وإما لخسارات هائلة لمواقعهم ومراكزهم وأملاكهم بسبب نهبها من الإرهابيين، ونحن بحاجة إلى إعادة إعمار أخلاقية لمنظومات غابت كإذابة كل أطياف المجتمع في بوتقة المواطنة بعدما جاء الإرهاب ودمرها، والمرحلة المقبلة تتضمن أيضاً تعزيز الوضع الاقتصادي من خلال كبح جماح الحيتان، وتشجيع المنافسة الشريفة بين التجار لتأمين السلع للمواطنين بأسعار منافسة وكسر الاحتكار، وتتضمن أيضاً دمج العديد من المؤسسات كما حصل مؤخراً كدمج سندس والاستهلاكية والخزن والتسويق مع بعضها البعض، كل هذا يصب في خانة المنافسة وتأمين السلع للمواطنين بأسعار بعيدة كل البعد عن الابتزاز، وبما يحقق كرامة المواطن ومصلحته، فالقطاع العام هو الضامن الحقيقي والوحيد للمواطن الذي هو عنوان العمل الميداني وعنوان نهضة البلد وإعادة إعمارها، والمرحلة المقبلة ستشهد إعادة إحياء حقيقي وتفعيلاً كبيراً للقطاع العام في كل المجالات، ومن الطبيعي أن يتم في حالة الحروب حدوث خلل في جسد الدولة، وظهور العناصر الفاسدة لتطفو على السطح، وتتحدث باسم موقعها الوظيفي وبدلا من أن تبني الوطن تقوم ببناء مصالحها الشخصية على حساب الوطن والمواطن، كل هذه الحالات تتم دراستها لكي نستفيد منها لاحقا في إعادة إعمار سليم قائم على المصداقية والشفافية وإحقاق نهضة حقيقية تقلل الزمن الذي تحتاجه سورية لإعادة بنائها.
التوجيهات الدقيقة والغزيرة للقيادة الحكيمة ولسيد الوطن وتوجيهات الحكومة تتمثل في النزول إلى الشارع وهذا مهم لتحقيق الإعمار، ولأجل إيجاد ثقافة تواصل حقيقية بين المعني بالإعمار ومن يهمه الإعمار والقائم عليه وبه لكيلا يحدث شرخ في المستقبل، فالبناء يجب أن يتم وفق ثقافة الشرفاء وبما يتلاءم مع متطلبات البيئة الحاضنة للشرفاء، وليس وفق بيئة الفساد والمحسوبيات، ويجب أن ندعم كل المشاريع الصغيرة والمتوسطة بدعم المنتج الوطني مهما كان صغيرا وبسيطا، وأن ندرس ثقافات في المدارس والجامعات والمعاهد حول تسويق المنتج الوطني ولو داخليا كثقافة «التقايض» مثلا لكي نتغلب ولو بجزء بسيط على الحصار الاقتصادي المفروض علينا، وثقافة احتواء الكبير للصغير مثلا صاحب شركة ضخمة أن يخصص ولو جزءاً يسيراً من دخله لشراء منتجات ريفية بسيطة وتقديمها للفقراء، هذه حالة وثقافة من مجموعة ثقافات كبيرة وهائلة وبها نتغلب على الأزمة الاقتصادية، ودعم الشباب في مشاريعهم الصغيرة فمثلا شاب على سبيل المثال لا الحصر (افتتح عربة لبيع المشروبات الساخنة) نقوم بدعمه بكل الامكانات، وتأمين متطلباته بأسعار زهيدة لأنها ستقوم برفد الدولة بالمال وستحرك دورة رأس المال، ودعم المشاريع الزراعية وتسويقها لأن أغلبية اقتصاد سورية هو زراعي بامتياز، ومهما كانت هذه الاقتصاديات صغيرة وزهيدة إلا أنها بمجملها سترفد الناتج العام وستزيد الإنتاجية إذا ما قورنت مع بعضها باقتصاد الحرب واقتصاد الأزمة الذي فرض الحصار الخانق.
نحن تحدثنا عن اقتصاديات صغيرة لكنها في الواقع الاقتصادي مهمة وبشكل كبير، فمن لا يمتلك اقتصاديات عشوائية ترفده بدخول كثيرة لن يمتلك اقتصاديات كبيرة في المستقبل، لأن الإنسان بطبعه طموح ويسعى دوما للأفضل لذلك من الواجب الاهتمام بها ودعمها بصدق وبقوة وكانت توجيهات قائد الوطن دوما بدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، فهو تحدث عنها في أكثر من مناسبة وأكثر من محفل.
سورية غنية بالموارد الطبيعية وبالثروات وأغلبها اليوم يقبع بيد المسلحين لكنها بقيادة حكيمة وجيش عقائدي وقائد أذهل الكون بقيادته وقوته ستعود كما عادت حلب، وسنعيد بناء بلدنا أفضل مما كان عليه وإذا كنت المواقع الأثرية في سورية تبلغ (4500) موقع هي اليوم تتجاوز هذا الرقم بكثير لأن في كل بقعه في سورية هنالك دم طاهر من دماء رجال اللـه الذين قدموا دمهم لإعادة الإعمار الصحيح والسليم، القائم على المواطنة وليس على التكفير، والقادم من الأيام سيشهد بأن سورية ولادة وأن عجلة الإعمار ستطحن كل فاسد وإرهابي ورافض لنهضة سورية.
وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن