سورية

توتر بين ظريف وجاويش أوغلو.. وحنكة لافروف احتوت الموقف … وثيقة موسكو: سورية متعددة الأعراق والطوائف الدينية وديمقراطية وعلمانية

| أنس وهيب الكردي – وكالات

تتوجت دبلوماسية مكثفة قادها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصياً، بإطلاق وثيقة لوقف إطلاق النار وتسوية الأزمة السورية صدق عليها وزراء خارجية ودفاع كل من روسيا إيران وتركيا أمس.
وبهدوء وحنكة، نزع رئيس الدبلوماسية الروسية سيرغي لافروف الفتيل من «قنبلة» ألقاها نظيره التركي مولود جاويش أوغلو حول دور حزب اللـه اللبناني في سورية، والتي كادت تفجر الجهود الروسية لتحقيق توافق تركي إيراني حول وثيقة من الإجراءات الواضحة والدقيقة لتسوية الأزمة السورية.
وأشار لافروف إلى أن كثيراً من الدول والجماعات تقاتل في سورية سواء بطلب من الحكومة الشرعية أو من دونه، مؤكداً في هذا السياق، ضرورة قتال التنظيمات الإرهابية كداعش وجبهة النصرة والتنظيمات المنضوية تحت لوائهما، في حين أوضح وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن القتال يشمل التنظيمات المصنفة بموجب القرارات الأممية فقط.
وجاء في وثيقة موسكو، التي قد تتحول إلى أساس لتسوية الأزمة السورية ينهي بيان جنيف ويعزز بيان فيينا، تأكيد وزراء خارجية روسيا وإيران وتركيا، استعداد دولهم لضمان الاتفاق المستقبلي بين الحكومة السورية والمعارضة.
وذكرت الوثيقة، التي نشر الموقع الالكتروني لقناة «روسيا اليوم» مقتطفات منها، أن «إيران وروسيا وتركيا تؤكد، كلياً، احترامها لسيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها ووحدة وسلامة أراضيها، بصفتها دولة متعددة الأعراق والطوائف الدينية وديمقراطية وعلمانية». وشددت هذه الدول على قناعتها بعدم وجود حل عسكري للأزمة السورية، واعترافها بأهمية دور الأمم المتحدة في تسويتها، بناء على القرار (2254) من دون التطرق إلى بيان جنيف. مع ذلك لاحظ الوزراء الثلاثة أهمية قرارات المجموعة الدولية لدعم سورية، لكنهم حثوا جميع الدول على «تعاون نزيه من أجل إزالة الحواجز أمام تطبيق الاتفاقات الواردة في هذه الوثائق».
وأكد لافروف وظريف وجاويش أوغلو أهمية توسيع نظام وقف إطلاق النار، وإمكانية وصول المساعدات الإنسانية وحرية تنقل السكان المدنيين في أراضي سورية.
وجاء في أحد بنود الوثيقة: أن إيران وروسيا وتركيا، تعرب عن استعدادها للمساعدة في بلورة وضمان «الاتفاق، قيد التفاوض، المستقبلي بين حكومة سورية والمعارضة»، داعين «سائر البلدان ذات النفوذ على الأرض إلى أن تحذو حذوها».
كما عبر وزراء خارجية الدول الثلاث عن قناعتهم العميقة بأن الاتفاق المذكور سيسهم في إعطاء دافع ضروري لاستئناف العملية السياسية في سورية بناء على قرار 2254 لمجلس الأمن الدولي»، آخذين بعين الاعتبار دعوة رئيس كازاخستان لإجراء لقاءات بهذا الشأن في العاصمة «أستانة».
وأكدت الوثيقة عزم الدول الثلاث على جمع جهودها في مكافحة تنظيمي داعش و«جبهة النصرة» والعمل على فصل «مجموعات المعارضة المسلحة» عنهما. ورحبت بالجهود المشتركة الروسية الإيرانية التركية في شرق حلب، والتي من شأنها أن تسمح بإجراء إجلاء طوعي للمدنيين وإخراج «مسلحي المعارضة» من هناك. كما رحب الوزراء بإجلاء المدنيين الجزئي من الفوعة وكفريا والزبداني ومضايا، متمسكين بضرورة «ضمان استمرارية هذه العملية وسلامة إنجازها الأكيد»، ومعربين عن امتنانهم للصليب الأحمر الدولي ومنظمة الصحة الدولية على مساعدتهما في إجراء عملية الإجلاء.
وبعد أن تلا الوزير الروسي مقتطفات من الوثيقة التي توصل إليها وزراء خارجية ودفاع روسيا وإيران وتركيا، شدد على أن العمل الذي تقوم به روسيا وإيران وتركيا في إطار التعاون الثلاثي حول تسوية الأزمة السورية هو الأكثر فعالية. لكنه أشار، في الوقت ذاته، إلى أنه «لا يجوز التخلي عن نتائج الجهود الروسية الأميركية لتسوية الأزمة السورية»، مضيفاً: أن روسيا وإيران وتركيا تدعو الدول الأخرى للانضمام إلى جهودها لتسوية الأزمة السورية.
وشدد على ضرورة توسيع نطاق نظام وقف إطلاق النار في سورية، مضيفاً إن الجهود، التي بذلتها روسيا وتركيا وإيران في حلب «سمحت بإجلاء أغلبية المدنيين وإخراج مسلحي المعارضة من المدينة».
من جهته، أكد وزير الخارجية التركي ضرورة أن يعم نظام وقف إطلاق النار كافة أراضي سورية من دون أن يشمل المجموعات الإرهابية كداعش و«النصرة»، وكاد الوزير التركي يفشل الجهود الروسية عندما تحدث عن وجود مجموعات أخرى في سورية متحالفة مع حكومة البلاد، «مثل حزب الله» اللبناني، قائلاً: «لا يجب الإشارة إلى مجموعة واحدة أو طرف واحد، من الضروري أن تنفذ جميع الأطراف وقف إطلاق النار»، ودعا إلى «ضرورة وقف الدعم لحزب الله»، وأضاف بلهجة لا تخلو من التهديد: «أعتقد أنكم فهمتم جيداً ما قلت لكم».
والتزم ظريف صاحب دبلوماسية الابتسامات، أعلى درجات ضبط النفس في الرد على نظيره التركي. وقال: إن «طهران تحترم مواقف أنقرة، بما في ذلك موقفها من حزب الله، لكنه شدد على أن هذا الموقف ليس مشتركاً. واستطرد قائلاً: «من الواضح أننا نتحدث (في وثيقة موسكو حول التسوية السورية) عن الجماعات التي أدرجتها الأمم المتحدة على القائمة السوداء، وهي داعش و«النصرة» والجماعات المرتبطة بهما بما في ذلك «القاعدة».
وجاء رد لافروف على موقف جاويش أوغلو واضحاً أيضاً. إذ أشار إلى أن القوى المختلفة الموجودة في سورية سواء أكانت مدعوة من قبل الحكومة السورية أم لا، تعمل على محاربة الإرهاب. وتابع قائلا: «أعلن التحالف الأميركي ذلك (محاربة الإرهاب) هدفاً له، ويعلنه أيضاً شركاؤنا الأتراك هدفاً لعمليتهم بسورية. وفي كافة الأحوال، تؤكد كل جهة، موجودة في سورية، بدعوة أو دون دعوة، تمسكها بهذا الهدف وتمسكها بسيادة سورية وسلامة أراضيها واستقلالها». وأضاف في موقف يعكس رغبة روسيا في تأجيل مناقشة الوجود الأجنبي في سورية إلى ما بعد القضاء على التنظيمات الإرهابية هناك، «نحن متأكدون أنه مع زيادة تنسيق في أفعالنا سنحاول تركيز الجهود على «النصرة» وداعش والجماعات المرتبطة بهما، وأنا واثق أنه مع تحقيق النجاحات في تسوية الأزمة السورية سنستطيع مقاربة الأمور المشتركة التي ترتكز على الأهداف»، وختم بالقول: «سنعمل على حل جميع المشاكل والمسائل التي ذكرت في هذه الوثيقة ».
وقدم لافروف تصوراً روسياً لمجريات الأزمة في سورية، إذ اعتبر أن الوضع في هذه الدولة معقد للغاية، مشيراً إلى وجود مجموعات إثنية وطائفية وسياسية في الساحة السورية تدخل في «مواجهات وخلافات» فيما بينها، وذلك في ظل الأزمة بين السنة والشيعة على مستوى العالم الإسلامي.
وأعاد إلى الأذهان أن مصالح العديد من الدول، بما في ذلك دول الجوار، ودول أخرى لا حدود مشتركة لها مع سورية، كانت تتقاطع في هذه الدولة المهمة بالشرق الأوسط منذ قرون طويلة. وتابع قائلا: «عندما اندلعت الأزمة السورية في إطار ما يسمى «الربيع العربي»، حاول العديد من اللاعبين الخارجيين استغلال هذه الأزمة لصالحهم. وأعلنت بعض الدول عن هدف تغيير النظام. ومن ثم جاء تفهم خطر استيلاء داعش على هذا البلد العريق والمحوري في الشرق الأوسط، وأصبح هذا التفهم عنصرا يهيمن على التأملات في طرق العمل بسورية، وبات الجميع يميلون إلى فكرة بديهية مفادها أن الأولوية الرئيسية ليست تغيير النظام، إنما مهمة تحييد الخطر الإرهابي». وشدد لافروف على أن هذه الفكرة بالذات توحد روسيا وإيران وتركيا، مضيفاً: «لدينا مواقف مشتركة بهذا الشأن».
وأوضح ظريف، أن طهران وموسكو وأنقرة «تتعهد بمحاربة تنظيمي داعش وجبهة النصرة والمجموعات المتحالفة معها، بصورة مشتركة وكذلك بفصل هذه التشكيلات عن المجموعات المعارضة الأخرى». مبيناً أن الدول الثلاث اتفقت، خلال الاجتماع، على مواصلة بذل الجهود والتعاون في هذا الاتجاه.
وقال ظريف: إن البيان المشترك، لروسيا وإيران وتركيا، يحدد التزامات الدول الثلاث في تسوية الأزمة في سورية، موضحاً أن الحديث يدور عن «تقديم مساعدات إنسانية والبحث عن التسوية السياسية مع الأخذ بعين الاعتبار مبادئ احترام سيادة سورية ووحدة أراضيها». وأضاف ظريف: «نمضي قدما بصورة حاسمة ومنطقية وممنهجة». وفي وقت سابق، أكد نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، أن بلاده أبلغت جميع الأطراف المعنية بنتائج لقاء الوزراء الثلاثة في موسكو. وأوضح بوغدانوف، أن روسيا على اتصال حول هذا الموضوع مع فرنسا والصين، والدول الأخرى «التي تلعب دوراً بالغ الأهمية في الأمور الدولية والإقليمية، بما في ذلك البحث عن الحلول الأفضل لجميع المشكلات المتعلقة بتسوية الأزمة السورية». وأشار إلى أن واشنطن سيتم إبلاغها، هي الأخرى، بنتائج المحادثات الروسية التركية الإيرانية في موسكو، في حال إبداء الولايات المتحدة اهتماما بها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن