الأولى

حلب: سقوط الهامش الافتراضي

| بيروت – محمد عبيد 

بـ«الضربة القاضية» يمكن توصيف الانتصار الذي حققه الجيش العربي السوري وحلفاؤه ضد المجموعات الإرهابية التي اختطفت المواطنين السوريين وحاصرتهم في بيوتهم وأرزاقهم في الجزء الشرقي من مدينة حلب لأكثر من أربع سنوات. لكن الضربة الأمضى والأكثر إيلاماً قد وجِهَت عملياً ضد ما يسمى قوى المعارضة السورية التي كانت تستمد بعضاً من قوتها التفاوضية من هذه المجموعات باعتبار أن الراعي الإقليمي والدولي لهما كان ومازال يحرك الميدان وفق إيقاع الحراك التفاوضي وضرورات المناورة.
غير أن الأهم أنه بعد تحرير حلب لم يعد بإمكان هذه المعارضة الادعاء أنها تستطيع مقارعة الدولة السورية من موقع الند عسكرياً بهدف فرض شراكة سياسية عليها ومعها في الداخل السوري.
الآن وبعد هذه الضربة، يبرز السؤال المُلِح من حيث المهمة والتموضع: هل مازال هناك قوى سورية «معارضة» مؤهلة للتفاوض وتباعاً قادرة على التحاور بِحُرية لصياغة مشروع شراكة وطنية حقيقية بعيداً عن أي تبعية أو ارتهان لمشاريع خارجية؟ فالمهمة أمام أي وفد معارض مفترض تبدو أصعب وأكثر تعقيداً مع انتفاء إمكانية الاتكال على التصعيد العسكري قبيل وخلال انعقاد حلقات التفاوض المباشر وغير المباشر، كذلك بسبب تراجع التأثيرات الإقليمية التركية والسعودية والقطرية لأسباب مختلفة والدولية وتحديداً منها الأميركية نظراً للانشغال بالعبور في المرحلة الضبابية بين إدارتين، وبالتالي فإن أي قوة معارضة بحاجة أولاً لتقديم خطاب سياسي-إعلامي جديد يؤكد وطنيتها ويؤهلها لاكتساب مشروعية شعبية ترفعها إلى مستوى الشراكة مع النظام، وهذا في الوقت ذاته اختبار للنظام حول قدرته على قبول تلك الشراكة وتحدٍ له في إطار ترسيخ التعددية السياسية التي لحظتها التعديلات الدستورية قبل وخلال سنوات الأزمة في سورية.
أما التموضع الذي يعبر عن الخيار السياسي، فيبدو هذه المرة مرتبطاً بالمكان الذي سيحتضن طاولة الحوار السوري-السوري الموعود والذي صار يتنازعه محوران أحدهما قديم والآخر مستجد، القديم يحاول استعادة زمام المبادرة من خلال دعوة الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة ستيفان ديمستورا لاستئناف التفاوض على طاولة جنيف في أوائل شهر شباط المقبل وفقاً للآليات السابقة ذاتها وبمشاركة الطرف المقابل لوفد الحكومة نفسه «وفد الرياض»، على الرغم من الغياب الكامل للنظام السعودي الراعي الحصري للوفد المذكور عن مجريات الوقائع الميدانية في سورية وبالأخص في حلب. أما المستجد المُكَوَن من روسيا وإيران وتركيا فإنه يسعى إلى نقل موقع طاولة التفاوض إلى أستانا عاصمة كازاخستان مع ما سيكون لهذا المحور الثلاثي الظرفي من تأثيرات مباشرة على هذه الطاولة، والأهم اعتماد آليات تفاوض أكثر دينامية تسمح بالوصول إلى نتائج عملية سريعة وبالتأكيد مع وفد أو وفود مختلفة عن وفد الرياض من حيث الخيارات والارتباطات ومنافسة له في السباق لاكتساب شرعية التمثيل المعارض ولو الشكلية حتى الآن.
لعل أبرز إنجازات إنهاء المشروع الإرهابي الإقليمي والدولي انطلاقاً من حلب هو سقوط الهامش الافتراضي بين المجموعات الإرهابية وبين ما يسمى «المعارضة المسلحة المعتدلة»، الذي حاولت أن ترسمه الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها في أذهان الرأي العام من خلال الدعاية السياسية الكاذبة والمؤتمرات المتنقلة لقوى «أصدقاء سورية» وأدواتها، وهو واقعٌ سيجعل مهمة إيجاد معارضة وطنية حقيقية صافية للجلوس على طاولة التفاوض في جنيف أو في أستانا أمراً صعباً إن لم يكن شبه مستحيل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن