اقتصاد

«المركزي» قمع هواة «الركمجة»

| علي هاشم

إلى اليوم، نجح المصرف المركزي في تثبيط معركة الشتاء التي اعتادت الليرة السورية خوضها مع مطلع الموسم، لما يشكله من بيئة مناسبة، تعززها التبدلات الدرامية في بنية التجارة الخارجية وجزئياً في التجارة الداخلية.
خلال السنوات السابقة، دأبت الجبهة المقابلة على امتطاء الفصل لدك قواعد الليرة ودفع الاقتصاد الوطني إلى ما يشبه إعصار «قُمعي» تتداعى تأثيراته السلبية من نقطة «عينه» حيث المالية العامة للدولة نحو جدرانها التي لا تفتأ أن تنهار فوق الجسد الضعيف لمعيشة المواطنين وقدرتهم الشرائية.
كان للتقدم الداعشي المفاجئ في تدمر وما رافقه من تبدل درامي في إمدادات الطاقة، أن يولّد حالة من التسخين المفاجئ للسوق النقدية المجاورة، ويمهد الطريق أمام «الجراثيم» المحلية الرديفة لتوليد الضغط اللازم على الليرة إلى مستويات كفيلة باجتذاب الرياح المنتشرة هنا وهناك، وزجها ضمن عملية تراكمية مستمرة، تتكفل -بدورها- في تحويل تصاعد سعر الدولار إلى ما يشبه متوالية تلقائية تتغذى من ذاتها، لتنطلق العاصفة بعدها في شد ذراعي الليرة إلى مخلعة نقدية، تدفع السلطة النقدية نحو تناقض عميق، يتوزع على طرفيه قدرة الحكومة في الاستمرار بالإيفاء بالتزاماتها بعدما تتعاظم فاتورة الدعم من جهة، وتداعي قدرة المواطنين على تحمل التبدلات المعيشية الداهمة جراء استجابة التجار السريعة بمرارتها المعتادة وضغطهم المتزايد على الأسواق متأبطين بدعتهم السرمدية «دورة المستودع».
إلا انه، ورغم قساوة ما جرى في الميدان التدمري، وتبعاً لجدار الصد الذي شكلته انتصارات حلب، بدت الموجة النقدية الشتائية هذه المرة واهنة وضعيفة وغير كافية لجراثيم المضاربات حتى لـ«الركمجة» التي اعتادوا التفنن بممارستها في تلك الأثناء ممتطين ألواحهم المصنوعة في دول الخليج بتراخيص غربية.. فسقطوا في الماء.
هذا الشتاء، ضيّع المضاربون ومن ورائهم، «لبنهم»، وفشلوا للمرة الأولى في معركتهم النقدية الاعتيادية، وتبعثرت غزوتهم في تدمر وما رافقها من إنعاش مفرط للتهريب سدى في حقل الليرة، ورغم ما قد يعتمل قراراً مفترضاً بخفض سعر الدولار من حسابات دقيقة، لا يجدر بأي كان التنظير في كيفية خوضها حالياً، فقد حان الوقت لاستثمار الاستقرار المديد في سوق النقد لدفع التجار إلى تحكيم عقولهم والعودة جزئياً عما يجنونه راهناً من أرباح فاحشة.
ولأن أيامنا معهم أثبتت بأن أغلبهم ليسوا من الطراز الذي يتمتع بالحس اللازم للقيام بذلك تلقائياً، وما لم تر الحكومة في الظروف القائمة نضجاً كافياً لاتخاذ قرار خفض سعر الدولار في المدى القريب، فعليها -أقله- إطلاق جردة متجددة من التسعير الإداري لمختلف السلع الأساسية وغير الأساسية، وخفض هوامش أرباحها إلى مستويات عادلة، مستفيدةً في ذلك من تلاشي ذرائع التجار الاعتيادية ومخاوفهم المبالغ فيها للإبقاء عليها عند حدودها الأعلى، وقد يتطلب الأمر إعادة نظر شجاعة بهيكلية الأسعار الاسترشادية لبعض المستوردات بعدما ولجت طور التحول التدريجي إلى عبء على الأسواق.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن