ثقافة وفن

«تشيللو»… مفارقة مانحياه مع مايعرضه!!…منافسة المال للحبّ في معادلة دراميّة عربيّة

عامر فؤاد عامر : 

تروي قصّة مسلسل «تشيللو» أحداث معادلة دراميّة، تعتمد على الحبّ كقيمة، لكنّه يفتح سؤالاً جدليّاً مهمّاً مفاده: هل يمكن المساومة في منظومة الحبّ؟! إضافة إلى أن المسلسل لم يُحمّل بالجوابٍ! أو الاختيار بين عدّة إجابات! ولم يلقِ بالحلّ غير المباشر ليستنتجه المتلقي، بقدر ما طرح فكرة ذات قيمة! يمكن للمرء في أي زمانٍ ومكانٍ أن يفكر بها، ويعالجها بناءً على الظرف الذي يحيا فيه.

تشيللو النوعيّة والبيئة
صُوّر العمل في عدّة مناطق من لبنان، وقارب في المدّة الزمنيّة الأشهر الخمسة في التصوير لثلاثين حلقة فقط، إضافة إلى العمليات الفنيّة، التي اجتهدت في العناية بالصورة، ودقتها، وتقديمها بمستوى راق للمشاهد، فكان من بين أميز الأعمال العربيّة لهذا الموسم بجدارة، وهو التجربة الثالثة للمخرج «سامر البرقاوي» في هذا النوع من الأعمال بعد مسلسلي «لعبة الموت»، و«لو»، وفي تصريحٍ خاصٍّ لـ«الوطن» يصف تجربته، واختلافها عن المخرجين الآخرين: «(تشيللو) هو السنة الثالثة لي في بيروت؛ بعد مسلسلي (لعبة الموت) و(لو)، وهو من نفس المصنّف، فأعمالي هذه هي أعمال مقتبسة عن أفلام، وتمّ تصويرها في لبنان، وهي من الأعمال الهجينة التي تحمل خلطة عربيّة تتعدّى حدود مكان التصوير، وسعيت دائماً للمحافظة على عنصر الاختلاف ليس بهدف الاختلاف فقط، بل لأنه يخدم التوجّه العام الذي أشتغل عليه، فأنا أراعي هذه المسألة حتى في اختيار عنوان المسلسل الذي أصوره». وعن خصوصيّة البيئة المنتقاة منه لهذا المسلسل يضيف المخرج «البرقاوي»: «هذه السنة اخترت منطقة البقاع اللبنانيّة كموقع للبحث البصري، وعملت على خلق علاقة بين مدينة الأعمال بيروت، والمدينة المعاشة التي تمارس فيها الحياة والنشاطات اليوميّة، وهنا وُجدت حالة الحبّ التي تعيشها بيروت، وسط المدينة، والنفوذ، والمال، والتباين بين العالمين، وهذا ما بحثت به وخدّمته بصرياً».

اقتباس إبداعي
مسلسل «تشيللو» من الأعمال الإبداعيّة التي تندرج في قائمة الاقتباس، وهو نوع إبداعي معروف عالميّاً وله حضوره في أهم المهرجانات، فكان الاقتباس عن الفيلم الأجنبي «عرض غير لائق» من بطولة «روبرت فورد» و«ديمي مور» و«وودي هاريلسون»، وقد أعدّ النصّ والسيناريو الكاتب «نجيب نصير» الذي دأب لتشكيل معادلة دراميّة تلفزيونيّة من فكرة ذات حساسيّة عالية قدّمها ذلك الفيلم، فهل ينتصر المال على الحبّ؟ أم إنه ستكون لقيمة الحبّ صداها في فهم مجرى الحدث؟ فينتصر هو الآخر ضمن فلسفة لا يمكن للمال أن يكون ذا قيمة أمامه بالمقارنة؟ وعموماً الرأي النقدي سيحتاج منا إلى وقفة أخرى.

نجيم وصداقة وشهادة للمخرج
شارك في العمل مجموعة من النجوم بين سورية، ولبنان، ومصر، فكانت البطولة الرئيسة لـ«تيم حسن»، و«نادين نجيم»، و«يوسف الخال»، و«كارمن لبس»، و«أيمن عبد السلام»، و«أنجو ريحان»، و«مديحة كنيفاتي»، و«سوسن أبوعفار»، و«جهاد الأطرش»، ولطيفة سعادة»، والكثير من الأسماء، وفي تصريحٍ خاصّ لـ«الوطن» تقول الفنانة «نادين» عن تجربتها مع المخرج «البرقاوي» وهي الثالثة في «تشيللو»: « تبقى شهادتي مجروحة مع المخرج «البرقاوي» فنجاحه الكبير في مسلسل «لو» في العام الفائت دلالة كبيرة على أهميته في عالم الإخراج، إضافة لأعمال كثيرة ناجحة قدّمها في السابق، واليوم تجمعنا صداقة مميزة، وعلاقة حميمة توطدت في مسلسل «تشيللو» بقوّة، وعموماً هذه هي التجربة الثالثة معه».

حمادة والتعب بمحبّة
حمل العمل الكثير من الجهد، والتعب، فإضافة لاختيار البيئة، والعامل البصري، الذي تمّ انتقاؤه بعناية في كلّ مشهد هناك دلالات بصريّة كثيرة تشير إلى التمعن في معظم تفاصيل المسلسل والخطوط الدراميّة فيه، وعن تعب فريق الإخراج، والجهد الذي قدّمه يقول مساعد الإخراج الفنان «أكثم حمادة»: «العمل في مسلسل «تشيللو» يستحق كلّ هذا الجهد، والوقت، وقد كان العمل يشبه خليّة النحل النشطة التي تسعى بكلّ كوادرها لإنتاج ما هو فنّي، وحرفي، وإبداعي. والصدر الرحب، والهدوء الذي يزيّن المخرج المبدع «سامر البرقاوي» وقدرته على قيادة العمل برصانة، وثقة، والجو الأخوي الرقيق الذي تميّز به فريق الإخراج الأعزاء «باسم سلكا» و«باسم عيسى» و«راما أمين» و«ضياء السعيد» هو الذي غسل التعب، وأعطانا في كلّ لحظة العزم على تحمل كلّ الصعاب التي مررنا بها، «تشيللو» عمل تعلّمت منه، وبكلّ حبّ».

أنجو والنجاح المشترك
الفنانة «أنجو ريحان» أحد أبطال مسلسل «تشيللو» تقول عن تجربتها في العمل، وخصوصيتها، وكيف تمّ انتقاؤها للدور: «جاءتني عدّة فرص في نفس الفترة معاً، لكن وبسبب استقراري العائلي والمهني، والذي وزّعت وقتي فيه بين ولديّ، وزوجي، وبرنامج «ما في متلو» فاكتفيت بذلك فقط، وبالتالي قررت أنه إذا كان هناك فرصة بمستوى مهمّ، فسأقبل بها، أمّا بغير ذلك فلن أغير نظام حياتي الذي اعتمدته كلّ الفترة السابقة، لكن عندما عُرض عليّ العمل في «تشيللو» قررت فوراً دخول التجربة مع شركة «الصبّاح» والمخرج «سامر البرقاوي»، وخاصّة أن المسلسل يتمّ تحضيره لرمضان، وسيراني الناس في صورة جديدة، وبعد الموافقة والاجتماع مع المخرج، أحببت انتقاءه دوري، ورؤيته في مناسبة الشخصيّة لي فقط من دون غيري، على الرغم من أن الشخصيّة لا علاقة لها بالكوميديا أبداً، وهذا الأمر زاد من حماستي أكثر للمشاركة في مسلسل «تشيللو». وقد كانت علاقتي مع السوريين في العمل قويّة، وبعد نجاح التجربة الدراميّة التي جمعت لبنان وسورية مؤخراً، وانطلاقها عربيّاً أصبح من المهمّ جداً أن ندعم ونحافظ على هذا النجاح المشترك، وقد أحببت اللهجة السوريّة، وحاولت إدخال شيء منها في أحد المشاهد بصورة متعمّدة في مسلسل «تشيللو» وأحاول دائماً في الحياة العامة التحدّث بها من خلال التعامل مع أشخاص من سورية كي أتقنها، وأعود وأكرر الممثل السوري متمكن في مهنته».
عبد السلام والكثير من الألم والفرح

أمّا الفنان «أيمن عبد السلام» الذي قدّم نفسه بطريقة مختلفة في هذا الموسم عن مشاركاته الدراميّة السابقة، فقد كان له نصيب كبير في لعب دور محوري مهمّ بين أبطال العمل الثلاثة ليكون حاضراً في أهم المفاصل التي ينتقل فيها المسلسل عبر حلقاته، وعن هذه التجربة يقول لنا: «للمسلسل خصوصيّة يتحدث بها من خلال عدّة عناصر، فالقصة غريبة عن واقعنا لكنها لافتة للانتباه، ومعالجة من الكاتب «نجيب نصير» ببراعة، وفيها الكثير من الألم والتشويق والفرح، والإخراج حمل مستوى عالياً من الاهتمام بكلّ عناصر الصورة العصرية التي أصبحت العنصر الجاذب الأول في وقتنا الحالي والفضل في تقديم هذه الصورة يعود للمخرج «سامر البرقاوي» الذي يتميّز بهذا الخطّ، أمّا دوري فهو شخصيّة محام ذكي ملمّ بتفاصيل عمله يدعى «بلال»، وهو محور أساسي بين أبطال العمل، وفي العمل نجوم من سورية، ولبنان، ومصر أيضاً، واعتقد أنه سيحظى بمتابعة ومشاهدة عربيّة كبيرة، فالإخراج فيه الكثير من الاهتمام والتعامل مع التفاصيل بحرفيّة».

تفرّد الموسيقا والأغنية
من بين العناصر الجاذبة في العمل الموسيقا، والتأليف الموسيقي، الذي جاء للفنان «إياد الريماوي»، كما أن شارتي البداية والنهاية حملتا صوت الفنان «مروان خوري» الذي كتب ولحن أيضاً للشارة، وعلى الرغم من وضوح المعادلة التي أسلفنا بها سابقاً وصعوبة معالجتها أيضاً إلا أن كثيراً من العناصر تمّ اعتمادها للإضافة لخطوط سير العمل منها تعلّق «ياسمين» بطلة العمل بآلة التشيللو، ومنها الأسلوب الروائي الذي اعتمده الفنان «جهاد الأطرش» في التمهيد لأحداث المسلسل، وأيضاً ما يمكن الإشارة إليه بقوة هو الأسلوب الجديد كليّاً في الأداء التمثيلي ضمن سلسلة الأعمال نفسها ذات التصنيف الواحد أي «لعبة الموت» و«لو»، و«تشيللو»، وما أقصده هو شخصيّة «تيمور» الدور الذي يتقنه الفنان «تيم حسن»، والتعامل الذي أحسنه ضمن الحياة الارستقراطية، التي وُجد فيها، وما يمثّله هو من لغة المال الصعبة التحدّي، أمام الانكسارات التي فرضتها الحياة على كلّ من «يوسف الخال»، و«نادين نجيم».

الخيال وغلاف لبناني
لكن هناك إشكاليّة لا بدّ من التطرق إليها حول نسيج المسلسل وملامسته للواقع الحقيقي، إذ نجد أن فرقاً كبيراً بين ما نحيا فيه، وبين ما نراه من عالم أقرب إلى الأحلام في مشاهد هذا المسلسل، وما أودّ قوله هو أن الممثلين- من أبطال وكومبارس- دائماً يرتدون أجمل الثياب، ويظهرون بأبهى حلّة ممكنة، ودائماً أماكن التصوير من أجمل ما يمكن، وتزدهي بأجمل الألوان وأكثرها جاذبيّة، فكثرة التحف والاهتمام بالديكورات وأناقة الأماكن والزركشة والألوان وإلى ما ذلك من إشارات المظاهر والترف كلّ ذلك سيبعدنا عن صورة حقيقيّة واقعيّة، إذ لا يمكن أن تلامس هكذا مشاهد آلامنا اليوميّة، وهموم معاشنا، حتى لو كانت محمّلة بأسئلة جدليّة، ولكن ما يرمي به المثقفون من اتهامات قويّة لمثل هذه المسلسلات أنها جاءت لتحلّ مكان الدراما التركية لكن بقالب عربي، وما يثير اللغط أيضاً حولها، هو أنها ذات طابع لبناني، فالإعلام اللبناني سريع التأثر قبل غيره في تبنّي القالب الغربي الجاهز، ودون دراية منه أو دراسة يأخذ الموضوع وكأنّه من أساسيات حياته وعاداته وتقاليده، لكن الحقيقة أن المادة تكون زاخرة بالمشاكل التي تقدّم التشوّه للأجيال القادمة، ووجه الشبه هنا أن الاهتمام بالمشهد الجمالي مع التركيز على الحالة العاطفيّة أصبح يذكرنا بالمسلسلات التركيّة التي راجت وعامت في الفضائيّات العربيّة على انتشارها، على الرغم من أن تشيللو قد يحمل مضموناً أرقى إذا ما قارنا الموضوع بجديّة، لكن لا بدّ من الإشارة والتنبيه، ولاسيما أنّ الإعلام اللبناني هو من يغلّف ويتبنى الصورة بالمجمل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن