فض اشتباك!!
| عصام داري
نجد أنفسنا أحياناً أمام حالة غير متوقعة وعلينا أن نتخذ حيالها قراراً في ثانية، وألا تشعر الآخرين بأنك في حالة الدهشة أو الارتباك.
حدث ذلك معي مراراً، وسأذكر على سبيل المثال ما جرى معي على وجه الخصوص في العام 2008 في الكويت عندما كنت مدعواً لحضور ملتقى الإعلاميين العرب.
فوجئت في مطار دمشق الدولي بوجود الفنان الكبير دريد لحام المتوجه أيضاً إلى الكويت حيث سيتم تكريمه في الملتقى نفسه، والفنان دريد كان طرفاً في الحادثة التي سأرويها، بل هو الطرف الأبرز فيها.
في الفندق تصادف وجود الإعلامي اللبناني الكبير الراحل غسان تويني، رئيس تحرير وصاحب صحيفة النهار، وقد التقيته للمرة الأولى والأخيرة في حياتي، وتصادف أنني جلست على الطاولة نفسها التي يجلس إليها الفنان دريد والراحل تويني، فقدمت التعازي بوفاة ابنه جبران، وقلت بضع كلمات تعبر عن تعاطفي الشديد معه، وإن الخلاف في الرأي لا يعني الشماتة في الموت، أو تأييد أسلوب التصفية الجسدية، وإن سورية عانت كثيراً من التصفيات الجسدية التي طالت مفكرين وعلماء وصحفيين وأطباء.
هنا قدم الفنان دريد لحام اقتراحاً غير متوقع مني على الأقل، وربما من الأستاذ غسان تويني، إذ قال: مادام حصل هذا الاجتماع بين رئيسي تحرير النهار اللبنانية وتشرين السورية، ما رأيكما في أن تكتبا افتتاحية مشتركة تنشر في الصحيفتين معاً؟!.
نظر الأستاذ غسان إلى كلينا ورد على الاقتراح بالقول: ليس عندي أي مانع إذا وافق هو، والمقصود أنا طبعا!.
ليس سراً أن هناك خلافات سياسية عميقة بين سورية والعديد من السياسيين اللبنانيين، وبين الإعلام السوري وبعض وسائل الإعلام اللبنانية، وأن أكثر وسيلة إعلام لبنانية بعداً عن سورية و«مشاكسة» بالنسبة لنا هي صحيفة النهار تحديداً.
هنا كان علي أن اتخذ قراراً بسرعة، وخاصة أنني لمست من كلام الأستاذ تويني أنه واثق من رفضي للفكرة، لكنني أجبت بالإيجاب، وقلت له: يسعدني أن أكون شريكك في افتتاحية تنشر في الصحيفتين، كما كانت تشرين شريكة للنهار في حديث للرئيس الراحل حافظ الأسد، حيث أجرى الحديث صحفيان لبنانيان، من النهار، والدكتور غسان الرفاعي، رئيس تحرير تشرين، وهو الحديث الوحيد الذي خص به الرئيس الراحل صحيفة سورية.
ربما فوجئ الأستاذ تويني، فسألني: توافق من دون استشارة أحد، أقصد المرجعيات السياسية والإعلامية؟ فأجبته: أنا رئيس التحرير، وأنا من يتخذ قرار النشر وعدم النشر.
واتفقنا على التواصل فيما بعد لتنفيذ ذلك‘ بعد أن أبلغني الأستاذ تويني أنه سيغادر الكويت إلى باريس دون المرور ببيروت، وعندما يعود إلى لبنان نتواصل ونضع مخططاً صغيراً لهذا المشروع.
فور عودتي إلى دمشق أبلغت وزير الإعلام الدكتور محسن بلال بما جرى، وقد عبر عن ترحيبه بالفكرة، وأنها ستكون فكرة مميزة وخارجة عن المعتاد في العلاقات بين الصحف.
باختصار: أجريت العديد من الاتصالات مع صحيفة النهار وعلى مدى شهر، أو أكثر بقليل، لكن الجواب كان دائماً: الأستاذ في باريس، فانتهى اقتراح الأستاذ دريد لحام عند هذه النقطة، مع أنني كنت متحمساً للفكرة جداً.
هل كان ما جرى نوعاً من«المصالحات»؟ وهل كانت خطوة بهذا الحجم قد تسهم في فك الاشتباك، على الأقل بين وسائل الإعلام، أو إن كل طرف سيتمترس خلف مواقفه المعلنة ولن يتزحزح عنها؟.
لكن المهم أنني مع القاعدة التي تقول إنني قد أختلف مع الآخرين، لكنني سأقاتل من أجل حرية هؤلاء الآخرين، وانتهى الكلام.