ثقافة وفن

رحل عنا مودعاً أحباءه ليلة الميلاد … وضّاح الشبلي.. صوت لايتكرر وشخص متفرد

| عامر فؤاد عامر

أغنت حلب الساحة الفنيّة في سورية والعالم العربي، بأصوات جميلة ومميزة، لطالما ترنّمت على أغنياتها الملايين من المستمعين، فكانوا رواد الإبداع، ومصدّري الطرب، والأصوات التي لا تتشابه، واللحن الذي يترك وقعه الخاصّ في كلّ مكان وزمان. وعلى الرغم من الموجة الصارخة في العصر الحديث، التي صدّرت كثيراً من الشخصيّات المتسلّقة في الوسط الفنّي العربي، إلا أن حلب بمطربيها ومغنيها بقيت وجهة مختلفة، من حيث النمط التراثي التقليدي الذي يعيش ويفرض نفسه بقوة، ومن خلال المطربين الشباب الموهوبين القادرين على إمتاع المتلقي، سواء بأداء أغنيات قديمة أو بإبداع الجديد منها. وقد تناقلت وسائل الإعلام، خبر وفاة الفنان الشاب وضّاح الشبلي، الذي تعرض لنوبة قلبية حادّة يوم السبت24 كانون الأول 2016 بعد أن تمّ نقله لمشفى المواساة في دمشق. هذا الفنان صاحب الصوت الأنيق، والعاطفي، والحنون الذي أوجد لنفسه مساحة مختلفة بين المطربين في سورية، فعرفناه ابن حلب الشهباء، صاحب الحضور اللطيف، والجميل، وعرفناه أكثر في جمال صوته، وبراعته في التعامل مع الأغنية وتقديمها بأسلوبه الخاصّ، ومن سورية كانت انطلاقته للوطن العربي، والعالم، في جولة ليست بالقليلة، فكان اسمه مدرجاً في كثير من المهرجانات المهمّة والحفلات الرسمية والخاصّة، على الرغم من عدم وجود مؤسسة تدعم انطلاقته بل كانت جهوده الخاصّة، ومحبّة الجمهور له في سورية هي قاعدته في الانتشار، من دون نسيان بدايته في برنامج نجوم الطرب من حلب، ومهرجان الأغنية السوريّة، والتلفزيون العربي السوري.

نجم حلب المدلل
تواصلنا مع الفنان صفوح شغّالة، الذي ذكر لنا ما قاله يوماً عن الفنان وضّاح الشبلي في دراسته الخاصّة عن فناني حلب: «النجم وضّاح شبلي، نجم حلب المدلل، ومطرب سهرات حلب المخمليّة، المطرب العاطفي الوحيد بحلب. شهدتُ بداياته الفنيّة التي بدأت من مسرح فرقة المهندسين المتحدين. وبعد أن ترك النجم نور مهنا الغناء في نادي حلب العائلي، رشّح المايسترو سمير كويفاتي وضاح شبلي للغناء في النادي. ومعلوم أن نادي حلب يضمّ نخبة العائلات الحلبيّة العريقة. وهو نادٍ خاصّ والدخول إليه للأعضاء فقط. والعضويّة في النادي متوقفة منذ زمن، استطاع وضّاح شبلي أن ينال رضا الأعضاء بسرعة فهو شاب أنيق، ومهذب، وعنده ملكة الحضور، والصوت الحالم، والأداء الأنيق، فهو يجيد التمثيل الغنائي. يحزن في الأغنية العاطفيّة الحزينة، ويضحك في الأغنية الفرحة. كان وقتها يقلّد الفنان كاظم الساهر. وكان الساهر في أوج شهرته، فأحبّه جمهور النادي، وصار وضاح، نجم السهرات، والحفلات الخاصّة لعائلات النخبة، والأعراس، وأعياد الميلاد، وحفلات العمادة، والسهرات الخاصّة. وفيها تعرّف وضّاح على أغنياء حلب، ومن كلّ الطوائف. لم يغنِّ وضّاح في أعراس حلب الشعبيّة، أولاً لعمله اليومي في نادي حلب، وثانياً لاختلاف الأجواء، ونوعيّة الغناء، فلا وضّاح يروقه جوّ الأعراس الشعبيّة، ولا جمهورها يروقهم وضّاح، خصوصاً «رقيصة العربيّة». لوضّاح العديد من الأغاني الخاصّة، وقد غنّى من كلماتي، وكانت الأغنية الأولى «خاي» وهي من ألحان شاكر الموجي. الأغنية الثانية «ظهر طيبك» من ألحان نهاد نجار. الأغنية الثالثة «زلّة لسان» أيضاً من ألحان نهاد نجار. والأغنية الرابعة «ما يهم» من ألحان مازن أيوبي. وهناك أغنيات لشعراء آخرين، لا تسعفني ذاكرتي في استذكارها. بعد ما يقارب عشر سنوات ترك وضّاح نادي حلب، وتفرّغ لإقامة الحفلات الخاصّة للشخصيّات الحلبيّة، في جميع أنحاء العالم، بفضل العلاقات التي بناها في نادي حلب، رحمه الله، كان دمث الأخلاق، ودوداً، لا يحمل ضغينة لأحد.

سيّد ومعلّم
ما يميّز مسيرة وضّاح الشبلي أيضاً هي محبّة زملائه له، ومحبّة أهل الفنّ لحضوره، فعلاقاته كانت مبنيّة على الاحترام والمحبّة والتواصل البنّاء، وقد طالعنا الكثير منهم على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك، بكلمات العزاء والذكرى المبنيّة على الصداقة والاحترام والإيجابيّة، فالفنان سمير كويفاتي ذكر على صفحته الشخصية ما بين بوحٍ وعتب وترحّم: «وقفت أمامك لأقول لك وداعاً… عاد بي شريط الأيام لعام 1996 منذ عشرين عاماً، وضعتُ يدي بيدك، وبدأ مشوارك معي في نادينا المحبب، نادي حلب، وكنت أنا قد بدأت العمل هناك قبلها بعشر سنوات، كانت شراكة مميّزة، عرفها جميع من عرفنا، وتركت بصمة لن تمّحوها الأيام. وضّاح، منذ يومين قلت لي: «سمير، اللـه يخليك خلينا نرجع عالنادي، وأنت بتضلّ معلمي». همستُ وأنت مسجى أمامي، وقناعتي كاملةٌ بأنك تسمعني: «يمكن زعلنا من بعض، ويمكن بعّدنا عن بعض، بس اللي عملناه مع بعض ما عاد ينعمل». وضّاح… في حضرة الموت أنت السيّد والمعلم، اللـه يسامحك ويرحمك».

بابا خير
الفنان محمد خير الجراح وعلى صفحته الخاصّة ذكر أيضاً عن الفنان وضّاح في ذكرى خاصّة بينهما، وعلاقة جميلة جمعتهما: «وضّاح شبلي؛ يا من كان يحلو له منادتي بعبارة «بابا خير». خبر رحيلك قاهر جداً، صداقة عتيقة، وإيمان كبير بموهبتك الخاصّة من بين فناني حلب. إحساس مرهف، وخاصّ سنفتقدك كثيراً، لروحك السلام، ولأهلك وذويك وأصدقائك وأحبتك وعائلتك الصبر والسلوان».

كان صديقي
ذكر الراحل وضّاح الشبلي، على صفحته في موقع الفيسبوك، بأنه ينتظر محبيه لحفلة رأس السنة الجديدة في فندق شيراتون دمشق، فجاءت عباراته الأخيرة: «أصدقائي رح نستقبل 2017 في ليلة من العمر على أرض سورية الحبيبة في فندق شيراتون دمشق، نحن في انتظاركم، وعلى المحبة نلتقي». إلا أنه توفي صبيحة يوم الميلاد المجيد، مودعاً أحباءه في وعده لهم بنشر الفرح واستقبال عامٍ جديد. الفنانة جيهان عبد العظيم شاركتنا العزاء لروح الفنان وضّاح في كلمتها: «رحمك اللـه يا وضّاح، الذي عرفته قبل أن يطرق باب التمثيل، فكان صديقاً مخلصاً منذ أكثر من 20 عاماً، وقد أحببت لك أن تمضي معنا يوم رأس السنة، لكن هذه هي إرادة القدر. وقد فرحت لك أن عشت فرحة الانتصار في حلب وانتهاء لغة الحرب فيها، لروحك السلام».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن