ثقافة وفن

امسحي الدمع يا إفريقيا… أولادك عائدون … كم هي ثقيلة هذه الجنازير.. التي يضعها الزنجي على رقبة الزنجي

| سارة سلامة

بعض القصائد الإفريقية يجب إغلاق الأذنين عند قراءتها لشدة ما تنطوي عليه من صراخٍ.. صراخ هائل عنيف، غير بشري، صراخ هزّ إفريقيا زاحفاً عبر القرون المتوالية، لم يهدأ ولا لحظة واحدةً، في هذا الصراخ كل شيء: العذاب، الآلام، الآمال المستهزأ بها، السجون المغلقة، الكرامة المحطمة، القبضات الغاضبة، والدموع، والصلوات.
في هذا الصراخ حبٌّ لا نهائي لإفريقيا، فيه قلب إفريقيا.. الكبير.. الطيب.
صدر عن وزارة الثقافة والهيئة السورية للكتاب مجموعة شعرية بعنوان «مختارات من الشعر الإفريقي»، وذلك في خطوة للإضاءة على الشعر الإفريقي حيث عمل المهندس محمد الحسن على ترجمة مجموعة من الشعر الإفريقي، وتدقيق ومراجعة مالك صقور، واحتوت المجموعة على أربعة فصول: أنغولا، ساحل العاج، غامبيا، غانا.

في قصيدة «الرجال إلى الحرب قد ذهبوا»، يلقي الضوء فيها على الشباب الذين تركوا منازلهم وأطفالهم ونساءهم وذهبوا متجهين إلى الحرب، والمعاناة التي يخلفونها بغيابهم، حيث لا وجود للحياة فالقرية تبدو مهجورة والأطفال لا يتوقفون عن البكاء أما الأمهات ففي حالة ضياع وتفكيرهم فقط بالذكريات أما المسنون فالحيرة تبدو عليهم:
قرية شبه مهجورة يلعب الضوء والظّل فيها بصمتٍ
وينكسران معاً
بين أكواخها
والصغار ينوحون
كلّ المسنين منشغلون بتفكيرهم
والنساء يخضن المياه العميقة في أنهر الذكريات
الكلاب يعذّبها عطشٌ لا يلين
طنين الذباب
الحرارة تسطع مسعورةً
كلّ هذا لأن الذين بأكتافهم يسندون الحياة إلى الحرب قد ذهبوا
الشمس تلهب جسم السؤال الوحيد:
الذين إلى الحرب
قد ذهبوا
هل يعودون يوماً؟
متى يرجعون؟
فحتى الطيور القوية
تعجز عن جرح
تلك السماء الغريقة في لهب
بالجناح
كيانغا إلى الحرب راح
أيرجع يوماً؟
إلى هذه الأرض
أم إنه لن يعود؟
ومن عله الآن يدري؟ الرجال إلى الحرب قد ذهبوا
أغلب الشعر الإفريقي يتكلم بصورة واضحة عن المعاناة التي يعيشها هذا الشعب، وحجم الظلم الكبير الذي يرافقهم في حياتهم اليومية، كما نجد في هذه القصيدة التي جاءت تحت عنوان «بانتظار البلدوزر»، تتكلم عن البيوت الفقيرة التي يقطنها الناس المكونة من خشب وتوتياء وبالرغم من كل هذا البؤس والفقر، إلا أنهم مضطهدون وهنا تقف عجوز بلباسها الأسود تتذكر أبناء القرية والناس الفقراء الذين كانوا يقطنون ويمارسون حياتهم البسيطة رغم كل الصعوبات، إلا أن النهاية كانت عندما اقُتلعت هذه المنازل الفقيرة بوساطة بلدوزر ليس فيه رحمة:
السور أصبح في ساحة العمل
ولكن رائحة الماضي القريب
ما تزال تنبعث من كل شيءٍ
البيت الفقير المرقع
رقعةً فوق رقعةٍ
الخشب والتوتياء الصدئة
وما تزال شجرة الباو باب في مكانها
الشجرة التي لطالما كانت ملعباً للأولاد
أين المخباط؟
أين الموقد وناره؟
البستان هادئ
الأغصان متدليةٌ
مثل السياط
العجوز في ثيابها السوداء منذ الصباح الباكر
تفكر بالذين كانوا هناك:
أوب.. أناكليتو.. شيمينيي
منطقة الواندي في الزمن الماضي
العجوز في ثيابها السوداء تفكر بكلّ هذا
قبل أن يصدر البلدوزر أصواته العنيفة
ويهوي عالمها الأعمى القديم
أما قصيدة «امسحي الدمع يا إفريقيا»، يتكلم الشاعر عن أبناء إفريقيا المهاجرين في بلاد العالم، الذين تركوها وهاجروا بسبب المصاعب التي تترتب على الحياة فيها، ولكن يبقى الأمل لدى الشاعر والتفاؤل بأن كل من غادرها من أبنائها المحبين سيعودون حتماً:
امسحي الدمع يا إفريقيا
أولادك عائدون
عبر العواصف وهزيم الرعود
من تشردهم الخائب
على صوت ضحك الأمواج
والمياه المتراكضة
في الفجر الذهبي
في الغسق الوردي
من القمم الشماء في الأدغال المستحمة بضوء الشمس
وفي قصيدة «الجنازير»، يتكلم الشاعر عن الظلم والعنصرية الموجودين في بلادهم، وأن ما يحزنه هو الاستسلام من الشعب، ودعاهم للوقوف إلى جانب بعضهم البعض، فأبشع أنواع الاستغلال عندما يظلم الزنجي أخاه الزنجي بأمر من مستغلٍ معتدٍ، فهنا يوجه لهم صرخة بأن يتكاتفوا ويطردوا أي محتل وليكونوا يداً واحدة:
كم هي ثقيلة هذه الجنازير
التي يضعها الزنجي على رقبة الزنجي
إرضاءً لسيده
لا تقفوا في طريق الشعب
أبعدوا هذه الجنازير
اطردوا الحواجز والسدود
دعوا الماء العذب يغمر الأرض
ويجرف أوساخ الظلم
كم هي ثقيلة هذه الجنازير
التي يضعها الزنجي على أقدام الزنجي
إرضاءً لسيده
ثقيلةٌ.. ثقيلةٌ.. ثقيلةٌ هذه الجنازير التي غلّت بها يداي
فلتسقط الأغلال.
في قصيدة «البحر يجتر بالقرب من منزلي الأرض»، نرى حجم المعاناة والفقر اللذين يعيشهما الناس في إفريقيا فهم لم يسلموا من الظلم بكل أشكاله وخاصة الظلم الناجم عن العوامل الطبيعية وخصوصاً في وضعهم ووضع البيوت التي يقطنونها فالخشب والتوتياء ليسا بإمكانهما مقارعة غضب البحر إذا ما غضب وأخذ معه كل شيء بلحظة غفلة:
في المدينة يأخذ راحته البحر!
يدخل كل البيوت
ومن بعض أحماله خشب
وغصون محطمة
ومواقد
في الليل يمضي بهم
فوق أمواجه.. البحر يجترّ
بالقرب من منزلي الأرض
كم من بيوت قد اجتثّ
كم من منازلَ مأهولةٍ
مرة شنّ أقوى هجومٍ
من الليل..
من ظلمة الليل جاء
ولم يبق حائط طينٍ
وجرّ جميع الأواني
وكلّ الدواجن
لم يُبقِ طيراً
هو البحر يجترّ بالقرب من منزلي الأرض
أما في هذه القصيدة «نداء الطبول»، نجد حالة من الحب يقصها الشاعر رغم مرارة الحياة إلا أن الحب موجود في لغتهم وثقافتهم عندما يجتمعون ويغنون:
عندما ننسجم مع نداء قرع الطبول
عندما ننسجم تماماً مع لحن أغانينا الأبدي
عندها
ربما تستجيبين لنداء الروح المجروحة
نظرتك النجمية
ترسل لي أشعةً
من تحت الغطاء
فأجمع الحكمة قطرةً.. قطرةً.. خلف الجفون
روحي تدنو من عتبتك بخطا وئيدةٍ
متناهية إلى لقاء الأمل
متناهية إلى معرفة الذات
يخيّل إليّ أنني.. منذ الأزل أحفظ في روحي هذه الابتسامة!
التي
تنزع القناع
لتهدي حنان القلب!
وتثير الدرب في الظلام
يخيّل إليّ أنني
أستطيع اللحاق بك إلى آخر العالم
إلى هناك..

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن