قضايا وآراء

كرة أستانة في ملعب تركيا ماذا بعد؟

| د. حسام شعيب 

منذ بداية الحرب على سورية قبل ست سنوات صعدت تركيا في مواقفها ضد سورية، حتى إن أردوغان وعد الأتراك والمعارضين السوريين بالصلاة في المسجد الأموي ولم يعد خافياً أن تركيا وضعت كل ثقلها السياسي والعسكري بما في ذلك دعم المجموعات المسلحة في سورية، وسعت تركيا جاهدة لعرقلة خروج المسلحين والمدنيين من أحياء حلب الشرقية ودخلت بمقاتليها لمساندة ما يسمى (الجيش الحر) و(قوات سورية الديمقراطية) في الباب.
واضح أن أردوغان سلك طريق اللاعودة في المسألة السورية منذ اللحظة الأولى مستنداً على دعم حلفائه في المنطقة السعودي والقطري ورضا الولايات المتحدة الأميركية وأردوغان الذي لم يكن يتوقع أن ينقلب حلفاؤه عليه بانقلاب الخامس عشر من تموز وأنه أداة من أدوات الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة عندما تنتهي الحاجة الأميركية لها تستغني عنها، ولعله قد أدرك هذه النقطة بعد ليلة الانقلاب لذلك وجه التهم للولايات المتحدة بوقوفها خلف هذا الانقلاب ودعم فتح اللـه غولن على أراضيها.
أردوغان الذي يدعم مجموعات مسلحة في سورية كداعش وجبهة النصرة وأحرار الشام ونور الدين الزنكي ومجموعة فاستقم وفيلق الرحمن وغيرها. لا يخفي دعمه لهذه الفصائل الإسلاموية المتطرفة رغم اتهاماته لأميركا وحلف الأطلسي بدعمها، وقد ذهب أردوغان إلى أبعد من ذلك عندما دخل بقواته الأراضي السورية بذريعة الحفاظ على الأمن التركي، وواضح أن خيبة أردوغان من الأميركيين كبيرة بسبب دعم الأخير لقوات كردية في شمال سورية.
تركيا على مفترق طرق وهي أمام عدة خيارات أسهلها مُرّ بالنسبة لأردوغان.
فالتعاون مع روسيا وإيران يغضب دول الخليج والولايات المتحدة الأميركية وحلف الأطلسي ودعم داعش وجبهة النصرة اللامحدود يشكل فضيحة لتركيا وحكومتها في الداخل التركي وخارجه والتعاون مع الرئيس الأسد والدولة السورية اعتراف تركي بهزيمة مشروع الإخوان المسلمين في المنطقة وإلحاق الغضب الأميركي الإسرائيلي الخليجي عليه.
تركيا التي زعمت خلال مفاوضات إجلاء المسلحين من حلب أنها حاضرة بقوة في الميدان ولها القدرة على إدارة المجموعات المسلحة من خلال الضغط عليها لوقف إطلاق النار يستثني تنظيمي داعش وجبهة النصرة والعمل مع روسيا وطهران لوضع مسودة مبادئ وضمان روسيا للحوار السوري السوري في أستانة عاصمة كازاخستان استناداً إلى وثيقة تسعى روسيا إلى ضمان التوقيع عليها تمهيداً لحوار الأستانة.
هذا الاتفاق الروسي التركي الإيراني على التفاوض دون وجود أميركا، وهو يعني مشكلة بالنسبة للأميركي الذي لا يريد أن يفقد تركيا من حاضنته في المنطقة، وخاصة أن روسيا لم تخف ازدراءها للجهود الدبلوماسية الأميركية، ويعكس أفولاً لما عرفناه بعد الحرب العالمية الثانية في أولوية الدور الأميركي في شرق المتوسط والذي عاندته سورية طويلاً. هل بدأت تركيا فعلاً بتغيير في استراتيجياتها خاصة بعد حرق الجنديين التركيين من داعش وهو كان رسالة طلاق داعشية لتركيا بعد تقلص أهداف أنقرة قسراً في سورية بعد عجزها عن إسقاط الدولة السورية وعودة حلب إليها.
بهذا المعنى هل يأتي قرار أنقرة بالمشاركة في المحادثات الثلاثية التي عقدت في موسكو على مستوى وزراء الخارجية والدفاع اعترافاً تركياً رسمياً بوجود الدولة السورية من خلال نظامها القائم ومن ثم البحث عن دور جديد لأي مباحثات سلام سورية قادمة.
هل سيكون بمقدور أردوغان وحكومته الضغط على المجموعات المسلحة الموالية لأنقرة بالتخلي عن السلاح والانخراط في العملية السياسية واضحٌ أن أنقرة تريد أن تستغل وضعها الجيوسياسي وحاجة كافة الأطراف إليها لذلك يقوم أردوغان بلوم حلف الأطلسي تارة وبمغازلته تارة أخرى، ويستفيد على الصعيد الاقتصادي من الاستثمارات الخليجية في تركيا كما يستفيد من الروس والإيرانيين ويجب ألا نغفل أنه المستفيد الأول اقتصادياً من تهريب النفط السوري عبر أراضي تركيا وكل التحويلات المالية التي تصل إلى المجموعات المسلحة في سورية بما فيها جبهة النصرة وداعش تأتي عبر بنوك تركيا كبنك الهدى الإسلامي الذي يمنح 500 دولار للمقاتل في لحظة دخوله إلى أراضي سورية. أعتقد أن لقاء أستانة أهم ما فيه هو احتواء تركيا كلاعب إقليمي بعيداً عن الأميركي والخليجي ومعرفة قدرة تركيا على لعب دور سياسي في المنطقة من خلال الضغط على المجموعات المسلحة.
لقد استطاعت الدبلوماسية الروسية احتواء تركيا ولو لبرهة من الزمن ولكن هل ستستطيع أن تقنع تركيا بتغيير إستراتيجياتها والبحث عن حلفاء جدد؟..
أشك بذلك لأن أردوغان برغماتي في السياسة ولكنه مبدئي في الهدف (إسقاط الدولة السورية) هذا ما ستكشفه الأيام القادمة ولكن الكرة ما زالت في الملعب التركي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن