قضايا وآراء

هل العام الجديد بوابة عالم بلا إرهاب؟!

| عبد السلام حجاب 

تؤكد الحكمة عدم الاكتفاء برؤية ألوان الأشياء، بل بامتلاك حقائقها فالتكهنات والأمنيات وحسب لن تكون قادرة على إحداث التغيير المطلوب لبلوغ عالم خال من الإرهاب الذي يبدل جلده كالأفعى، تبعاً لبنية تفكيره الأيديولوجية والهزائم التي يتلقاها. ناهيك عن مصالح سياسية ونفاق أخلاقي لدول داعمة وراعية للإرهاب بزعامة الرئيس الأميركي أوباما ومشاريع حكومته السرية، التي لا تريد التمييز بين انتهازية بات الفشل المتراكم رصيدها السياسي والعسكري وبين واقعية المبادئ وأهمية حضورها في المشهد الدولي.
وبصرف النظر عن التعويل المفترض من عدمه على سياسات القادم الجديد إلى البيت الأبيض دونالد ترامب في العشرين من الشهر الحالي كرئيس منتخب للولايات المتحدة فإن تصريحاته الاستباقية سواء لجهة التعاون مع روسيا والرئيس بوتين أو لجهة محاربة الإرهاب وما يشكله من انخراط إيجابي باتجاه حل سياسي للأزمة في سورية وفق قرار مجلس الأمن 2254 الذي وقعت عليه أميركا وشركاؤها الغربيون كفرنسا وبريطانيا.
قد كان لها وقعها السلبي فأحدثت اضطراباً سياسياً في الحكومتين الفرنسية والبريطانية التي اعتادت الذيليه لسياسة أميركا ومشاريعها، مثلما أثارت الهلع والهذيان لدى أطراف محكومة بالدونية السياسية مثل بني سعود وأردوغان ومشيخة قطر. ما يعني بالتحليل السياسي الموضوعي. أن السؤال بشأن العام الجديد وإمكانية أن يكون بوابة لعالم بلا إرهاب يبقى قائماً في وقت لم تعد الذيلية السياسية تملك مقومات استمراريتها بحسب ما أظهرته نتائج الانتخابات الرئاسية التمهيدية في فرنسا ولا الأطراف التابعة مطمئنة لواقع الاحتمالات القادمة سياسياً واقتصادياً بعد أن أصبحت بيدقاً على رقعة الإرهاب في شطرنج أوباما وحكومته السرية!؟
وبلا ريب فإن سياسة الرئيس أوباما بحكومته السرية وأدواتها العسكرية والاستخباراتية قبل أيام معدودة من مغادرته البيت الأبيض، ليست جديدة بل منهج اتبعه منذ نحو ست سنوات من الحرب على سورية، إذ تنقل لإطالة أمد الحرب من سياسة القيادة من الخلف لتحالف دول راعية للإرهاب وداعم له إلى سياسة التقرب عن بعد التي أماط اللثام عن مراميها السرية تملص الوزير كيري من الاتفاق الذي وقعه في جنيف مع الوزير الروسي لافروف في التاسع من أيلول الماضي للمحافظة على تنظيم جبهة النصرة الإرهابي وصولاً للانخراط العلني بشكل مباشر وغير مباشر لدعم الإرهاب داخل الأراضي السورية لتحقيق مكاسب مفترضة ثم استخدام عناصر الضغط السياسية والدبلوماسية في مجلس الأمن الدولي والمنظمة الدولية لدعم الإرهاب على حساب حقوق السوريين السيادية بذرائع إنسانية وغير ذلك من ذرائع أخرى مختلقة وأكاذيب لتزوير الوقائع سعت جاهدة لتشويه السياسة والمواقف السورية والروسية تشي بإصرار أوباما وحكومته الخفية من البنتاغون والأجهزة الاستخبارية لتحقيق غرضين أساسيين:
1- زرع قنابل مفخخة تحت طاولة الرئيس ترامب، القادم الجديد إلى البيت الأبيض بعناوينه السياسية المعلنة، وليس آخرها سلسلة عقوبات ضد روسيا بينها اعتبار 35 دبلوماسياً روسياً غير مرغوبين في أميركا. وقد رد الرئيس بوتين بأن بلاده لن تنحدر إلى مستوى إدارة أوباما وأكد أن معالجة هذه المسائل ستتم مع الرئيس ترامب وإدارته الجديدة مشيراً إلى أهمية العلاقات الروسية الأميركية في الأمن والسلام الدوليين، وكان الوزير لافروف صائباً وموضوعياً بإعلانه أن محادثات الخبراء من الجانبين الروسي والأميركي في جنيف تمهيداً للحل السياسي للأزمة في سورية لم تعد ذات جدوى في عهد أوباما.
2- محاولات للإبقاء على ركائز إقليمية ودولية وبعض عربية محورها مصالح الكيان الإسرائيلي لتصعيد أعمال التنظيمات الإرهابية في سورية بعد تحقيق انتصار حلب كمحطة مفصلية في هزيمة الإرهاب ومطاردة فلوله والتصدي لمخططات وأجندات داعميه ومشاريع المستثمرين فيه.
واستنتاجاً فإن محاربة الإرهاب في سورية أولوية على جدول أعمال الرئيس بوتين، بات من الصعب تجاهلها في ضوء انتصارات يحققها الجيش العربي السوري والقوى الرديفة والحليف الروسي في حلب وغير منطقة سورية، داعياً إلى توحيد الجهود النزيهة للحرب على الإرهاب ومصادر تمويله وتنفيذ مندرجات القرارين الدوليين 2253 و2268 عبر التنسيق مع دمشق التي تحارب الإرهاب دفاعاً عن العالم بأسره.
ولعله في فضاء هذه الانتصارات وما أحدثته من متغيرات ذات دلالات واضحة سياسية وعسكرية جاءت دعوة الرئيس بوتين لمحادثات بين السوريين في العاصمة الكازاخية أستانا تكملة للعملية السياسية في جنيف وليس بديلاً عنها للحل السياسي للأزمة في سورية بقيادة سورية ومن دون شروط مسبقة أو تدخل خارجي أو أجندات إرهابية مفروضة.
وقد شكل قرار وقف الأعمال القتالية في سورية باستثناء تنظيمي داعش وجبهة النصرة الإرهابيين والفصائل الإرهابية الأخرى المرتبطة بالنصرة وتلك التي لم توقع على الاتفاق مؤشراً مهماً يستقي دلالاته من أن الإرهاب في طريقه إلى الانهيار الحتمي، وأن خيارات السوريين الوطنية هي المنتصرة إن في مجال محاربة الإرهاب وإن في اتساع رقعة المصالحات.
ما يفرض على الآخرين النظر بواقعية سياسية للتطورات لتكون بوابة عالم بلا إرهاب بما فيه العقوبات الجائرة أحادية الجانب وخارج القانون الدولي.
وقد أكد الرئيس بشار الأسد لوفد مشترك يضم نواباً من البرلمان الأوروبي ومجلس الاتحاد للجمعية الفدرالية لروسيا الاتحادية أنه إذا أرادت الدول الأوروبية مساعدة الشعب السوري، يجب أن تتوقف عن دعم الإرهابيين ورفع الحصار الذي يطال أساسيات حياة السوريين.
لا جدال بأن عالماً خالياً من الإرهاب بحاجة إلى جهد ومسؤولية سياسية واقتصادية وثقافية وعسكرية تضعها سورية في مقدمة اعتباراتها وتحظى بدعم متعدد الأشكال من روسيا وإيران والصين ودول صديقة أخرى، وإذا كان دعم مجلس الأمن الدولي بإجماع أعضائه لقرار وقف الأعمال القتالية في سورية إلا أن مفردات ومضامين ما حملته كلمات المندوبين الفرنسي والبريطاني ومن ورائهما إدارة أوباما والتي حذر منها مندوب روسيا كانت تشي بأن هؤلاء لم يتخلوا عن رهاناتهم على الإرهاب شكلاً ومضموناً.
ما يفرض على المبعوث الدولي دي ميستورا التخلي عن التعابير الملتبسة وتحمل مسؤولياته بنزاهة في جنيف لدى استئنافه الحوار السوري السوري في موعد الثامن من شباط الذي أعلنه مستعيناً بالموقف الدولي الجاد وتسلم الأمين العام غوتيرس مسؤولياته بعيداً عن تقاسم المصالح والأدوار وسياسات شد الحبال.
ولم يعد خافياً أن السوريين جيشاً وشعباً بقيادة الرئيس بشار الأسد أصبح لديهم من الانتصارات والخبرات السياسية والعسكرية التي تجعلهم أكثر عزيمة وثقة بالمستقبل في مواجهة التحديات مهما كان شأنها والقوى الداعمة لها دفاعاً عن حقوقهم السيادية وقرارهم الوطني المستقل ومواصلة الحرب على الإرهاب حتى القضاء عليه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن