قضايا وآراء

«أبغض الحلال في» الإعلام ويكيليكس

إياد إبراهيم : 

 

لطالما حذرت زملاءنا في الإعلام السوري ألا يتعاطوا مع ويكيليكس على أنها حقائق يمكن الاستناد اليها، فما هو لك اليوم يمكن أن يكون عليك في يوم آخر، عندها لن يتمكن إعلامنا من التشكيك وكشف ما يمكن أن يزيف من وثائق بحق سورية تحت المسمى ذاته.
ثم لا قيمة فعلية لأي وثائق تدين السعودية أو إسرائيل ما لم يتم توظيفها، وكلنا يعلم أنه بوجود أميركا لن يتمكن أحد من توظيف هذه الوثائق لاستهداف هذه الدول، على حين التصديق على صحة هذه المعلومات واستخدامها إعلامياً اليوم سوف يسهل على أميركا عملية توظيف مماثل إذا ما فبركت وثائق ما لإدانة سورية، وسيصعب على الدول القوية الحليفة مواجهة ذلك.
إن مثل هذه الويكيليس لا يمكن أن تحدث بهذه الصورة دون صمت أميركا، إن لم يكن رضاها، وحتى لو لم تكن الفكرة أميركية، فإن واشنطن قادرة على جعلها من أدوات تحقيق المصالح الأميركية، واستخدامها متى شاءت وتوظيفها حين تستخدم، فواشنطن بتفوقها المتعدد الأذرع تجيد امتطاء الأمواج فتتركها تتلاطم في محيطها وتحت ناظريها، وإلا فكيف نفسر إفلات «اسانج» و«سنودن» من القبضة الأميركية حتى اليوم؟
كذلك من السذاجة سياسياً وإعلامياً أن يفسر الأمر على أنه ضغط أو انتقام أميركي من السعودية بسبب محاولات التقرب من روسيا، لأن ذلك يتعارض مع نظرية التبعية السعودية المطلقة لأميركا، ويجعل من مصطلح «أداة» المستخدم لتوصيف العلاقة الأميركية السعودية مصطلحاً ساقطاً، ومن ثم منح شخصية اعتبارية لنظام الحكم السعودي، وهذا ما تسعى إليه واشنطن لمساعدة الملوك الجدد على استنهاض دورهم الإقليمي واستعادة توازنهم بعدما تخلخل إثر إخفاق تحقيق أهداف حربهم على سورية واليمن وانكشاف «هيكلهم» الوهابي المقيت، ثم إن تلك الوثائق تقدم صورة مؤسساتية لنظام الحكم في السعودية في وقت أظهرت الأحداث أنه نظام عائلي فردي قمعي دكتاتوري يحرج الإدارة الأميركية.
ويأتي «التهليل» المفرط لهذه الوثائق من إعلامنا ليهيئ الأرضية بشكل منسجم تماماً مع ما هو مرجو ومتوقع من مستثمريها.
المشكلة ليست في وضوح قيمة ودور هذه الوثائق كما تقول الدكتورة أشواق عباس في إشارتها إلى هذا الموضوع، بل في وجود بعض من لا يرغب في أن يفهم الحقيقة، وأضيف: بل من هو غير مؤهل لأن يفهم.
أسئلة مهمة يمكن طرحها في سياق التفكير الجاد لتفسير ظاهرة الويكيليكس، ربما في الإجابة عنها تكمن كل الحكاية.
ما الذي يحكم تسريبات ويكيليكس؟
هل يتم نشر كل ما يحصل عليه الموقع من وثائق، أم إن اسانج وسنودن يلعبان (حكرا بكرا) لاختيار ما سينشرانه؟
أم إن ثمة نهجاً يتعلق بسياسة بعينها يتم وفقها اختيار الهدف والزمان؟
وهل هي سياسة رجلين فارين من القضاء الأميركي، أم هي سياسة دولة كبرى؟
وأي دولة تلك التي تملك مفاتيح خزائن الاستخبارات الأميركية والأوروبية لتخرج ملايين الوثائق عن أشخاص ودول وأنظمة حكم، وتعرضها كبسطة خردوات في سوق ساروجة؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن