قضايا وآراء

إدارة ترامب والتحولات المحتملة في السياسة الأميركية

| تحسين الحلبي 

إذا كان مسرح الحرب العالمية الثانية في أوروبا قد أغلق الستارة على عمليات هذه الحرب وأنهاها بانتصار أيار 1945 للقوات السوفييتية والأميركية وبقية قوات الحلفاء ضد النازيين فإن انتصار الحلفاء (سورية وإيران وروسيا الاتحادية وحزب اللـه) في مسرح الحرب ضد الإرهاب التكفيري في حلب سينقل الوضع في سورية بل في العراق والشرق الأوسط إلى مرحلة سيزداد فيها عدد الدول والقوى التي ستنضم إلى هؤلاء الحلفاء لتشكيل جبهة واحدة واسعة لتطهير هذه المنطقة من كل المجموعات المسلحة الإرهابية، وعزل كل من يقدم الدعم لها سراً أو علانية..
ومن المقدر أن تضع هذه الحقيقة الرئيس المنتخب ترامب أمام جدول عمل سيكون موضوع الشرق الأوسط فيه مختلفاً في تناوله عن الطريقة التي تناولها فيه الرئيس أوباما طوال السنوات الست الماضية.. ولذلك يتوقع المحللون السياسيون في دائرة ترامب قيام إدارته الجديدة بالاستعداد لإجراء التغيرات المحتملة التالية:

1- تفضيل التعاون والتنسيق الوثيق مع موسكو في مرحلة ما بعد انتصار سورية وحلفائها في حلب للمحافظة عل ترسيخ وقف النار.
2- تجنب استخدام الخطاب السياسي الذي تبناه أوباما ضد الرئيس الأسد منذ بداية الحرب ضد سوريا والإقرار بأن المراهنة على وجود «معارضة معتدلة» مؤثرة أو يمكن ترويجها أصبحت فاشلة ويتعين إعادة النظر في مبررات سياسة أوباما في هذا الموضوع.
3- إعادة توجيه الحلفاء المحليين الذين تبنوا سياسة أوباما مثل قطر والسعودية والأردن نحو انتهاج سياسة تكتيكية جديدة مختلفة عن سياستهم في السنوات الست الماضية بانتظار تغير إستراتيجي يشمل المنطقة بالتوافق مع القوى المؤثرة في المنطقة وخصوصاً الأطراف المنتصرة في حلب ويبدو أن المملكة الأردنية تحسست مثل هذه التغييرات بعد رحيل أوباما فأعلن أحد المسؤولين فيها أن المملكة لم تقم بأي عمل معاد لسورية وأن الذين قدمت المملكة لهم التدريب العسكري لن يقاتلوا ضد الجيش السوري بل ضد مجموعات داعش وأنه هذا هو هدف الأردن من تدريبهم وأشار إلى وجود السفارة السورية في عمان وكذلك السفارة الأردنية في دمشق… وعند الحديث عن قطر أو السعودية فإن إدارة ترامب ستوجه لهما تعليمات جديدة تتفق فيها مع بريطانيا التي ستشهد الأعوام المقبلة زيادة نفوذها باتفاق مع الولايات المتحدة في منطقة الخليج بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي.
4- وضع سياسة (ترامبية) لدور تركيا يختلف تكتيكياً عن الدور الذي رسمه لها أوباما منذ زيارته الأولى لها عام 2009، حين راهن على توظيفها كقوة إسلامية داعمة للإخوان المسلمين ضد الحركات العربية التقدمية والعلمانية.. ويبدو أن تمهيد تركيا لتغيير سياستها كان قد فرضه على أردوغان الدور الروسي والإيراني في آخر عهد أوباما فأصبح أردوغان جاهزاً للتفاعل مع أي سياسة أميركية تختلف عن سياسة أوباما أو تناقضها خصوصاً بعد أن خسر أردوغان فرصته الأوروبية ولاحظ أن الاتحاد الأوروبي لم يعد يعول عليه في إرضاء تركيا بعد أن بدأت أحزاب أوروبية من الدول الرئيسة فيه ترجح تبني سياسات قوية على حساب الاتحاد مثل إيطاليا واليونان وفرنسا بعد خروج بريطانيا منه.

ولا شك أن هذه التوقعات المحتملة والمرجحة في الأشهر المقبلة ستفتح بالمقابل نوافذ سياسية وتحالفية متنوعة المستوى والدرجة بين عدد من دول المنطقة، فالمقربون من ترامب في صنع السياسة الخارجية الأميركية المقبلة لا يستبعدون أن تميل الحكومة العراقية إلى زيادة التقارب مع الدول الثلاث المجاورة لها سورية وإيران وتركيا بشكل تضيف إليه روسيا الاتحادية دوراً مؤثراً على المستوى الدولي أيضاً، فقد ثبت للعراقيين أن أوباما كان من مصلحته إطالة زمن الحرب المتلكئة ضد مجموعات القاعدة وداعش في العراق وأن ما فعله التحالف الروسي- السوري- الإيراني ضد داعش خلال سنة ونصف السنة كان كافياً لتطهير مجموعات داعش من العراق لو أن واشنطن أرادت تحقيق هذا الهدف، كما تدرك الحكومة العراقية أن أموال قطر والسعودية لدعم المجموعات الإرهابية في العراق لم تتوقف وبمعرفة إدارة أوباما.. لذلك يتوقع المحللون لسياسة ترامب في المنطقة ألا تنتهج إدارته سياسة مماثلة لسياسة أوباما حتى لو أتيح للحكومة هامش واسع في سياستها الخارجية تجاه المتطلبات التي فرضتها مرحلة ما بعد الانتصار في حلب وبانتظار الانتصار في الموصل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن