اقتصاد

عاصمة النهوض

| علي هاشم

لسبب ما، يصاب المرء ببعض من الخيبة لدى سماعه شعار عودة حلب إلى سابق عهدها. فدون إرادة منه، تراوده الفكرة كفهم ارتكاسي لأهميتها واستسلام عفوي لما جرّته الحرب عليها، ولما يجب عليها أن تكون. فهذه الحلب، يجدر إعادتها لحلمها الذي حرمت منه خلال قرون مديدة انقطعت فيها عن أهميتها الإستراتيجية مذ دخلها الاحتلال العثماني، ودفعها لما لم يأت من مستقبلها بعد: حلب الاستراحة بين صفائح آسيا وأوروبا، وصنبور الطاقة بين الخليج والبحر الأسود، وعقدة الوصل بين قارتي «آوراسيا» وإفريقيا.. على هذه الخطا يجب بإعادة إعمارها أن يسير.
في الواقع، قد تكون هذه الآمال صدى للاهتمام الرئاسي بالعاصمة التي تنقّلت بين الاقتصاد، فمحاولات الإزالة، فالصمود والتضحية، ثم النهوض، وقد يكون لوصفها بالكلمة المقدسة التي «حولت الزمن إلى تاريخ»، تفسير لكنها كرسالة السوريين إلى الحضارة الإنسانية.
ووفق ذلك، على الحكومة تمثّل هذا الوعي التاريخي والإنساني بهذه الحلب، وبما أسست له من تبدلات جوهرية في البنية الفوقية للمجتمع السوري ومن ضمنها الأفكار والإيديولوجيات المتحركة والمحركة له. ففي حلب وعبرها، سيعاين -السوريون وأجيالهم القادمة- أكثر مشاعرهم الوطنية حساسية، وفي مقدمها: قيمة الصمود ومآل الصامدين ومغزى التضحية وكيفية ردّ السلام على الدماء الزكية التي بذلت لانتزاعها من فكيّ الظلامية والاندثار.
التبدلات الجوهرية الآنفة في البنية الفوقية للمجتمع السوري، تتطلب إنجازات كبيرة مقابلة لسد العجز في بنائه التحتي، وهذا أمر تزيد متطلبات إنجازه –بكثير- عن السياسات التقليدية التي ترى في «إعادة حلب لسابق عهدها» هدفاً أسمى ومسطرة لما ستكون عليه، وبالطبع، فثمة ظروف ومتطلبات معيشية ضاغطة سيكون لتلبيتها الأولوية الطارئة في المدى المنظور، إلا أن ذلك لا يجدر به أن يمنع الحكومة من ضبط التعارض المحتمل بين رؤاها الإستراتيجية لهذه المدينة المنتمية إلى القرن الواحد والعشرين وبين خططها القصيرة لتخميد معاناة أهلها، ما يفرض تهيئة فريق واسع الطيف قوامه خبراء اقتصاد وسياسة وإدارة وإعمار يقومون على وضع الرؤى الكفيلة بتجسيد معاني «حلب التي تحولت إلى تاريخ»، بما في ذلك استلهام بيئة تشريعية استثنائية لا يبدو أنها متاحة اليوم وقد يتطلب إقرارها تفاعلاً حثيثاً مع مجتمعها المحلي، وعندها، فلن تكون الحكومة بحاجة إلى استعطاف مستثمر هنا أو مهاجر هناك لـ«يضبّ الشناتي» ويقفل عائداً إليها، فحلب التي يجب أن تكون، هي حلب الحلم.
نهوض حلب، لا يعني «إعادتها إلى سابق عهدها»، بل لما يجب أن تكون عليه «عبرة» ماثلة لكلفة الصمود وثوابه في قاموس البناء الأخلاقي الوطني، وأنموذج المستقبل، ونقطة تلاقٍ فريدة بين بناها الفوقية المتجددة والتحتية القادمة بما في ذلك شوارعها وساحاتها ومكامنها ورموزها واقتصادها، فهي الآية التي سيسير الإيمان السوري المتجدد على خطاها.
ولهذا، سيتعين على الحكومة أن تدرك على الدوام أن كل تفصيل من خططها القادمة للنهوض بالبناء التحتي لهذه المدينة العزيزة على السوريين وجغرافيتهم، هو بمنزلة قطعة من مرآة كبيرة، ما أن تكتمل، حتى يروا فيها -ومن خلفهم شعوب الأرض- ملامح كيانهم الجديد المتحرر توّاً من ستة قرون من العزل والاستغلال والتهميش.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن