قضايا وآراء

الأستانا استراحة «سفر»

| عبد المنعم علي عيسى 

«المرحلة المقبلة لن تكون سهلة» تلك كانت هي الجملة التي اختتم بها الرئيس الأسد محادثاته مع علي شمخاني الذي زار دمشق للقاء الرئيس الأسد 9/1/2017، ومن الناحية العملية فإن هناك العديد من المعطيات التي تؤكد وجود تراكم كبير لحزمة الصعوبات «وكذا لعوامل القلق» التي ستكون حاضرة عشية- وإبان- التحضيرات المتسارعة لمؤتمر الاستانا الذي تكشف العديد من علائمه خلال الأيام الأربعة الماضية ولربما بات من الجائز القول بإمكان رسم مخطط كروكي لذلك المؤتمر فالرئيس الكازاخستاني نور سلطان نزار باييف كان قد أكد 13/1 أن المؤتمر سوف يعقد في عاصمة بلاده يوم 23/1 المقبل في حين بات من المؤكد أن طرفي التفاوض السوريين سيكونان ممثلين بوفد الحكومة السورية ووفد يمثل حوالي عشرة فصائل أغلبها من الجيش الحر ممن لهم تمثيل على الأرض وليسوا مصنفين على قوائم الإرهاب وهم في أغلبهم أيضاً حلفاء للأتراك «كان لافتاً تصريح رئيس المجلس العسكري للجيش الحر مصطفى الشيخ يوم 13/1 الذي قال فيه: إن روسيا ليست بلداً محتلاً كما عبّر عن رغبته في أن تدخل القوات الروسية إلى الأراضي السورية كافة» ما يعني أن أنقرة ماضية نحو تثبيت حلفائها على الخريطتين السياسية والعسكرية السورية، في حين سيتم استبعاد الائتلاف والهيئة العليا للمفاوضات ولربما كان ذلك انسجاماً مع استبعاد داعميهما السعودية وقطر وإن كان كلا المكونين سوف يكون طرفاً في مفاوضات جنيف المزمع عقدها في الثامن من شباط المقبل.
تتأتى الصعوبات العديدة بشكل أساسي من أرضية خصبة قوامها وجود عشرات القوى المتصارعة على الساحة السورية وهي في تركيبتها مختلفة الأحجام ومتناقضة بين مصالحها وأهدافها، في حين أن دواعي القلق قد تكون عديدة هي الأخرى لكنها تتمحور بشكل أساسي في أمور ثلاثة: الأول يتمثل في ارتفاع منسوب التوافق الروسي- التركي في الآونة الأخيرة وأي نظرة واقعية تؤكد أن المحور الإيراني- السوري سوف يتأثر بذاك التطور المفاجئ وإذا ما كانت حالة «التلاقي» بين أنقرة وموسكو قد ساهمت بشكل إيجابي في الوصول إلى حلب كانون الأول 2016 فإن من شأن حالة «التماهي» بينهما أن يكون لها تأثير سلبي في مسار التسوية السياسية السورية، والثاني: يتمثل بحالة النوسان السياسي التي يتقمصها رجب طيب أردوغان الذي أثبت أنه يستطيع أن يكون الشيء ونقيضه في آن واحد ما يثير المزيد من الشكوك حول النوايا التركية، الثالث: يتمثل في ضبابية السياسة الروسية تقليدياً وهي نادراً ما تبوح بمكنوناتها وهذا ليس تشكيكاً بالنوايا الروسية ولا مصلحة لدمشق في أن تفعل ذلك إلا أنه ما من ثقة مطلقة في حليف كما تقول الميكافيللية التي تطغى منذ حين على السياسات العالمية برمتها ولربما دونما استثناء ومن هنا نرى أن الأداء السياسي السوري كان في الآونة الأخيرة استباقياً أو احتياطياً لأي مفاجآت محتملة فخلال عشرة أيام زار وزير الخارجية السوري طهران 31/12/2016 ثم زار علاء الدين بروجردي دمشق في 4/1/2017 تلاها زيارة علي شمخاني السريعة في 8/1/2017 وهي لقاءات يفهم منها على أنها تهدف إلى محاصرة النوايا التركية التي تشير إليها العديد من «البثور» التي تظهر على السطح هنا وهناك ومنها أن تقارير إيرانية تتحدث عن وجود مساعٍ تركية لحشد آلاف المقاتلين بهدف إعادة تطويق مدينة حلب من جديد إذا تمت السيطرة التركية على مدينة الباب وإذا ما كانت تلك التقارير دقيقة فإنها ستكون بمثابة أمر عمليات إسرائيلي يهدف إلى تفكيك سورية بدءاً من الشمال إذ إن من المؤكد أن اندفاع أنقرة المستميت لإجراء مصالحة مع موسكو «تمت عملياً في 10 آب 2016» لم يكن مصادفة أن يجيء بعد مرور أقل من شهرين على المصالح التركية- الإسرائيلية التي تمت في 26 حزيران 2016 بعد ست سنوات من توتر «شكلي» في العلاقات بين البلدين، ومن المؤكد اليوم أن هناك العديد من المعطيات التي تجعل من العلاقة الروسية- التركية مرشحة لمزيد من الاندفاع نحو المتانة وتلاقي المصالح بعدما نجح الروس في تهدئة مخاوف أنقرة الأمنية عبر عدم استخدامهم للورقة الكردية- أسوة بالغرب- التي تقض المضجع التركي أكثر من أي شيء آخر ناهيك عن وجود حالة توتر تركي مع الغرب وهو ايضاً قابل للتصعيد حتى إن أردوغان كان قد اتهم الولايات المتحدة بدعمها لداعش 29/12/2016 والأخطر كان في التساؤلات التي طرحها «محيط» السلطة حول جدوى بقاء قاعدة انجرليك على الأراضي التركية وهذا تصعيد سريع للموقف التركي في هذا الشأن بعدما كان فكري آشيق وزير الدفاع التركي قد أكد 26/12/2016 أن قاعدة انجرليك في تركيا ولا أحد بمقدوره استخدامها من دون إذن أنقرة.
لكن على الرغم من كل ذلك فإن الصورة الحالية لإمكان السير في تسوية سورية تحظى بموافقة أغلبية الأطراف تبدو كأنها باتت واقعية بما يكفي لتحقيق ذاك الهدف على أرضية وصول أطراف المعسكر المعادي لدمشق لقناعة مهمة هي أن ما كان يرسم أميركياً لهذه الأخيرة «دمشق» قد فشل تماماً بل أضحى على رفوف الأرشفة الأميركية وما يدعم هذه الفرضية مؤشرات عديدة أبرزها اثنان: الأول هو ما كتبه روبرت ف كيندي جونيور «ابن أخي الرئيس الأميركي جون كيندي الذي اغتيل 1962» في مجلة «بوليتكو» ونشر مطلع هذا الشهر وقد جاء فيه «اليوم لم تعد سورية ممراً مقترحاً- أو إلزامياً- لأنابيب الغاز نظراً لما حدث مؤخراً وخصوصاً في حلب 22/12/2016م» الثاني التقرير الذي نشرته الهيرالدتريبيون الأميركية 10/1/2017 والذي حاولت فيه تصوير الحال السورية قبيل «احتجاجات» درعا 15/3/2011 ثم توصيف عوامل اندفاع هذه الأخيرة وقد احتوى التقرير على المزيد من المفاجآت على اعتبار أنها تأتي من الجريدة التي تعتبر على امتداد العقود السابقة العراب الأهم للأغلبية الساحقة من الانقلابات التي شهدتها المنطقة.
نحن هنا لا نسوق للتقارير الغربية أو نعتمدها أدلة لتحليل الأحداث إلا أن تقارير كهذه لا يمكن أن تخرج إلى العلن إلا في إحدى حالتين الأولى: أن يكون الهدف الذي سعت إليه الجهة التي تدير المخطط الأميركي «الجهة هنا هي CIA» قد تحقق تماماً كما حدث بعد إسقاط نظام العقيد معمر القذافي في ليبيا تشرين الثاني 2011 أما الثانية: أن يكون ذلك الهدف قد بات من الماضي ولم يعد السعي لتحقيقه قائماً وهو الراجح هنا في حالة تقرير الهيرالدتريبيون السابق الذكر.
في آفاق مؤتمر الاستانا أو النتائج المرجوة منه يبدو أن هذا الأخير هو أشبه بمحطة استراحة فالمؤتمر لن يكون من بين أهدافه إنتاج حل سياسي للأزمة السورية وإنما سيكون محاولة لوضع آليات لتثبيت وقف إطلاق النار أي التركيز على الجوانب العسكرية ليس إلا وهو ما تريده موسكو تجنباً لإحراج الأمم المتحدة أو إغضاب واشنطن إلا أن ثمة مأخذاً يمكن استخلاصه على الأداء السياسي الروسي فيما يخص الأزمة السورية إذ إن من الواضح أن هذا الأخير يغلب عليه التسرع وهو ناجم عن سعي روسي يهدف إلى تنقية العلاقات الروسية- العالمية ولو على حساب التسوية السورية، بالتأكيد لا أحد يطلب من موسكو أن تخوض حرباً عالمية لأجل عيون السوريين لكن ما يطلب منها هو التروي لإنضاج عملية ترجمة المعادلات العسكرية الحاصلة مؤخراً في مسار المفاوضات المزمع السير فيه وما يؤكد هذه الفرضية الأخيرة هو أن موسكو أطلقت فكرة مؤتمر الاستانا بعد ساعات من إعلان الجيش السوري لمدينة حلب مدينة آمنة وخالية من الإرهاب 22/12/2016 وهي لو أرادت مساراً أقصر لكان قد تبدى ذلك في متابعة الأعمال العسكرية وصولاً إلى تحرير إدلب وجسر الشغور والغوطة الشرقية عندها كانت المفاوضات ستثمر سريعاً ولربما كانت الخلافات قد تناقصت «آنذاك» إلى درجة لا تمثل فيها عائقاً حقيقياً أمام تلك المفاوضات وعلى ذكر العوائق مرة أخرى هناك عائق مهم يتمثل في بقاء تلك الواجهات الإعلامية المعارضة التي كان تعمل بأمر عمليات أميركي وهي بالتأكيد باتت مستهلكة ولم تعد قادرة على مواكبة الأحداث لأنه ما من أحد- كما يبدو- يضعها بصورة الموقف الراهن وهي حتى لما كانت بصورة هذا الأخير كان نهجها يمثل عائقاً كبيراً في مفاوضات جنيف 1+ 2+ 3 وكذلك فيينا 1+ 2 كان ذلك النهج يقوم على إخضاع التفاوض لمعادلات ميدانية لم تكن محسومة بعد لكن على الرغم من ذلك كانت تفترض أن حسمها لابد أن يكون لمصلحتها!!
في آذار 1980 قرأ أحمد فايز الفواز عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري الذي كان حليف الإخوان المسلمين في تمرد الثمانينيات من القرن الماضي قرأ مبكراً رجحان كفة النظام على كفة المعارضة السورية وقد لقيت تلك القراءة قبولاً كبيراً في أوساط الحزب اضطر بعده رياض الترك إلى الاستقالة من منصبه ما أفقد التمرد المسلح امتداداً سياسياً أو مظلة كانت ضرورية وهو ما يسهل استئصال ذلك التمرد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن