قضايا وآراء

حسابات الشمال السوري وتركيا

مازن بلال :

 

يعبر تحول الوضع الميداني في الشمال السوري عن تبدلات في التوازن الإقليمي، فانتشار داعش على طول خط الحدود أمن منذ عام 2013 حزاما يحاول الحد من تأثيرات الأزمة السورية، ورغم عنف المعارك والإمداد اللوجستي من الأراضي التركية، إلا أن حدود تداعيات ما يجري بقيت ضمن إطار متوازن بالنسبة لحكومة العدالة والتنمية، وكانت معارك «عين عرب» هي العتبة التي كسرت بعض الحسابات، ومهدت لبداية انتشار قوات الحماية الكردية منهية بذلك أي احتمال لضبط المعارك داخل سورية، أو حتى التأقلم معها لتصبح جزءا من سياسة أنقرة.
عمليا فإن «داعش» لا تنحسر بالمعنى الفعلي، فهي تخلي مواقعها على طول الحدود مع تركيا، في وقت تحاول فيه التمدد في ريف حلب، وتريد التأثير في الواقع الذي ظهر في محافظة إدلب، والواضح أن سير المعارك نقل عدم ارتياح من تشكيل «جيش الفتح» الذي كون غطاء لـ«جبهة النصرة»، فجاءت المعارك في الريف الشمالي الشرقي لحلب لانتزاع المبادرة منه وتثبيت خطوط تماس تفرض أمرا واقعا على الجانب التركي تحديدا.
ما قدمته المعارك بعد سيطرة «قوات الحماية الشعبية» على تل أبيض هو توازن سيدفع تركيا باتجاه حسابات جديدة، وذلك ضمن ظرف سياسي داخلي يبحث فيه «العدالة والتنمية» عن حزب لتشكيل ائتلاف سياسي، وهناك نقطتان أساسيتان في هذا الموضوع:
– الأولى أن تركيا لم تعد تضمن المعادلة على طول حدودها مع سورية، وهذا الأمر لن يؤثر في خطوط الإمداد اللوجستي باتجاه الجماعات المسلحة فقط، بل سيهدد أشكال التجارة غير الشرعية مثل النفط والآثار وغيرها التي كانت تقوم بها داعش منذ سيطرتها على المعابر الحدودية.
– الثانية هي نوعية التنسيق التي جرت بين «قوات حماية الشعب» والتحالف الغربي، ما ساعد على إعادة انتشار داعش وانسحابها من على الحدود، فأنقرة التي لم تدخل التحالف بسبب عدم محورية دورها فيه؛ تجد نفسها في موقع حرج ضمن «تنسيق» ظهر بشكل سريع وأتاح تحقيق انتصارات على «داعش» لم تكن تركيا طرفا فيه.
حسابات العدالة والتنمية اليوم تتجه نحو «الحزام الحدودي» مع سورية، فالمنطقة مؤهلة للخروج عن السيطرة بالمفهوم التركي، وهو ما دفعها لرفض استقبال «صالح مسلم»، زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يشكل الفصيل الأساسي في «قوات حماية الشعب»، لكن هذه العلاقة المؤهلة لمزيد من التوتر في الشمال السوري ربما تدفع أنقرة للبحث جديا في رسم حساباتها مع القوى الداخلية السورية، وتقديم نفسها أمام الولايات المتحدة بأنها مؤثرة رغم تبدل التوازنات، ومن هذه الزاوية فإن خطوط أنقرة ستتحرك باتجاه إقليم كردستان العراق بالدرجة الأولى، في محاولة للعب على الورقة الكردية التي لا تملك تواصلاً حقيقياً بين شمال العراق والشمال الشرقي لسورية.
تلعب تركيا دوراً خطراً ضمن زمن حساس، وحساباتها القادمة في الأزمة السورية ستحدد طبيعة دورها الإقليمي القادم، و«نفوذها» اليوم داخل المجموعات المسلحة سيتحول باتجاه جديد، فإذا أرادت كسب معركة «دورها الإقليمي» فربما عليها رسم ملامح سياسة تستوعب ما حدث خلال الشهرين الماضيين على طول حدودها مع سورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن