صُنّاع الدراما في الظل وتقنيات وراء النجاح … السكريبت البوصلة التي توجه العمل إلى نقطة النهاية
| سوسن صيداوي
ترافقنا المسلسلات لشهور في مواسم أو ربما خارج المواسم، وتصبح قصة المسلسل وأبطاله من أهل البيت، وشوقنا لمعرفة ماذا سيحصل هو عامل للعلاقة القوية مع المسلسل من ممثلين ومخرج وربما كاتب، لكن هل هناك من انتبه يوماً للأسماء التي تتقدم في شارة المسلسل ونهايته؟ هل هناك من لاحظ وتابع من يقوم بالإضاءة، أو من يقوم بفرش وتنسيق ديكور اللوكيشن أو موقع التصوير؟ وهل هناك من انتبه لمن يهتم بالأزياء والملابس التي يرتديها الممثلون ومن يقوم بوضع المكياج لهم؟، لكن هنا السؤال الأهم، هل هناك من انتبه إلى شارة المسلسل وكلمة «سكريبت» والاسم المدرج تحتها؟، الإجابة الساحقة ستكون.. بـ«لا»، فالكل مهتم ومعني جداً بأبطال المسلسل وربما بمخرجه وإن ابتعدنا عن مركز الدائرة التي نركز أنفسنا بها لربما كان لنا علم بكاتب المسلسل.
بالعودة إلى كلمة «سكريبت» والتي هي مجال بحثنا في هذا المقال الذي يسلّط الضوء على جهود فنيي وصنّاع الدراما والناهضين بها كي تصل إلينا ونتابعها، «السكريبت» كاختصاص يمكننا القول إنه المنظّم للدراما ولولاه ستعم الفوضى وتتوه بوصلة التصوير عن اتجاهها الصحيح بسبب اختلاط الأمور ببعضها، وعن تفاصيل هذا الاختصاص وأهميته في صناعة الدراما وما يواجهه من مشاق وصعوبات يكون للحديث بقية.
السكريبت بوصلة التصوير
إذاً القاعدة هي بأن يتم خطف الأضواء من أبطال المسلسل من الممثلين ومن ثم المخرج على حساب من يقوم بوضع حجر الأساس لهذه الصناعة، فهم أشخاص مجهولون بالنسبة لنا، ويجلسون في الظل رغم أعبائهم الكبيرة في هذا المجال، منهم أصحاب اختصاص السكريبت والمعنيون بتفكيك النص أو السيناريو إلى مراحل من أول مشهد حتى آخر مشهد في المسلسل، من خلال تنسيق الراكورات الخاصة به، و»الراكور»هو كلمة فرنسية «RACCORD» وتعني ضبط الترابط بين اللقطات التي يتم تصويرها، وتثبيت علامات الاستمرارية بينها، وبين المشهد والمشهد الذي يتلوه أو يسبقه للحفاظ على سلاسة السرد الدرامي للمسلسل، وبالنتيجة يكون واضحاً أمام المخرج والممثلين والكادر الفني حتى يتم الاهتمام بكل التفاصيل الدقيقة لكل مشهد على حدة، وللحديث أكثر عن هذا الاختصاص تحدثت لـ«الوطن» السيكريبت رولان العاقل: «مهنة السكريبت في سورية، وهنا أحدد، لأن هذه المهنة في الدراما السورية قد تختلف عن كثير من بقية الدول في العالم، فالسكريبت السوري يُعنى بضبط الراكور، حيث يضبط السكريبت راكور شكل الممثل من ملابس إلى إكسسوار إلى تسريحة الشعر، إضافة إلى التدقيق في كل التفاصيل مهما كانت صغيرة، ضمن سلسلة مشاهد مترابطة، تحمل يوماً زمنياً واحداً أو فعلاً مستمراً ضمن مشاهد متصلة ببعضها البعض، هذا من جهة الشكل، أما من جهة أخرى فالسكريبت عليه متابعة انفعال الممثل أو بمعنى أدق أن يراقب خط الفعل المتصل الذي يقوم به الممثل، وكمثال على ما أقوله:لنفترض أن الشخصية في المشهد تكون خارجة من منزلها وتريد التوجه إلى العمل… هنا يكون دور أو عمل السكريبت في استقبال هذه الشخصية في مكان عملها بالشكل نفسه الذي خرجت فيه من المنزل أي بالملابس نفسها إلى الإكسسوار.. إلخ، من دون أي تغير بالحالة النفسية ذاتها التي خرجت بها من المنزل، هذا طبعا وبحسب المشهد إذا لم تتعرض الشخصية أثناء الطريق إلى أي فعل غيّر من هيئتها الخارجية أو الحسيّة، وهذا ليس فقط بل أيضاً يُعنى السكريبت بضبط راكور الديكور والإكسسوار مع عدم تغييره من مشهد إلى مشهد آخر، إلا إذا كان هناك مبرر درامي».
حلم وحجر عثرة
يتعامل اختصاصي السكريبت مع عدد كبير جدا من الممثلين في المسلسل الواحد هذا من جهة، ومن جهة أخرى هناك صعوبات يتعرض لها سواء أكانت مزاجية الممثلين أم صعوبات يضعها الإنتاج، الأمر الذي يتطلب من صاحب هذا الاختصاص أن يكون نفَسُه طويلاً جداً وصدره رحباً ولبّه حاضراً لاستيعاب كل التفاصيل المتعلقة بالراكورات، فلهذا الاختصاص أهمية ترافق العمل الدرامي من مرحلة التحضير إلى التصوير وحتى مرحلة العمليات الفنية الخاصة بالمونتاج والمكساج، كما أن أفق هذا الاختصاص قد توصل من تراكمت لديه الخبرات إلى أن يكون يوماً ما مساعد مخرج أو مخرجاً، وعلى الرغم من الأهمية الكبيرة لهذا الاختصاص إلا أن هناك العديد من مشاكل وعقبات تؤرق من يعمل فيه وتؤثر في طموحهم وأحلامهم وعملهم، وعن الصعوبات بهذا المجال تتحدث السيكريبت العاقل: «لعل أكثر الصعوبات التي يمرّ بها صُنّاع المسلسلات الدرامية، هو العمل ضمن هذا الظرف الذي يمر به بلدنا الحبيب، فهذا الظرف جعل المهنة أكثر قساوة عما كانت عليه قبل السنوات الست الماضية، لأن عدد ساعات العمل أصبح طويلاً جداً، وقد يصل في بعض الأحيان إلى 14 ساعة في موقع التصوير، هذا إضافة إلى الفترة الزمنية التي نحتاجها للوصول إلى اللوكيشن أو موقع التصوير ومن ثم الرجوع إلى البيت، الأمر الذي جعل الحصول على ثماني ساعات من النوم هو أمر مستحيل حدوثه، هذه مشكلة أصبحت من روتين حياتنا، ولكن المشاكل الجوهرية الأخرى التي تواجهنا ونعاني منها هي ضعف ميزانية الإنتاج، فالمنتج السوري صار لا يعطي الميزانية الكافية للمسلسل، وهذا من شأنه الإنقاص من مجموعة عوامل أهمها القيمة الفنية، لذلك نرى ترهلاً واضحاً من اللوكيشنات المستأجرة، مروراً بالخدمات المتوافرة وقلة المعدات التي من شأنها رفع الحالة الفنية للعمل، أما بشكل شخصي فقد أصبح العامل في هذه المهنة يذهب إلى عمله مستاء من استغلال المنتج له، ففي ظل انخفاض إنتاج عدد الأعمال في هذه الفترة وكثرة الكوادر التي تبحث عن عمل، لم يعد يدفع المنتج نصف ما كان يدفعه للفني قبل ابتداء الأزمة، وعند السؤال عن أسباب عدم احترام مجهود الفني ودفع ما يستحقه فعلاً، تبدأ تلك المسوغات المفبركة، والتي حفظها الفني السوري، وعلى رأسها أن الدراما السورية مقاطعة، وأنه يعمل لكي لا يقف رغم أنه لا يضمن البيع، علماً أن المحطات العربية لا تتوقف عن عرض المسلسلات السورية وتبدأ بحجز حصتها من الدراما قبل أشهر من شهر رمضان، عموماً إذا كان السؤال هنا.. هل المقابل المادي يتناسب مع الجهد المبذول.. فما أقوله وأنا مرتاحة الضمير، نصف أجورنا الآن أو قد يكون الربع أحياناً، لا يتناسب مع جهدنا، فقد نصل أحيانا إلى أربعة أو خمسة أشهر ونحن نعمل بشكل متواصل في الليل والنهار، من دون تقصير لنحصل على ليرات لا تصمد في جيوبنا شهراً واحداً أمام هذا الغلاء المعيشي».
أعمال ومشاركات
البداية كانت بدخول غمار تجربة ولم يكن معها أي خبرة سابقة، ولكن إذا كانت الرغبة حقيقية، فالخبرة بطبيعة الحال سيتم اكتسابها من التجربة، ومع تكرار التجارب والمشاركات ستنضج الخبرة وتتطور، وعن مشاركات رولان العاقل في المسلسلات تحدثت: «أول أعمالي كان مسلسل جلسات نسائية في عام 2010 إخراج المثنى صبح وفي تلك الأثناء كنت بدأت العمل كـ(سكريبت معتمدة) على بعض المعلومات النظرية فقط، وكان هذا من أصعب الأعمال لأنه لم يكن لديّ الخبرة قبلها، ولم أتدرب عملياً، لكن هذا العمل أتاح لي فرصة كبيرة للتعلّم رغم ما واجهته من صعوبات إضافة إلى مساندة الزملاء الفنيين لي، ذوي الخبرة السابقة، والذين ساعدوني كثيراً، وأيضاً الأعمال التي شاركت بها هي:جلسات نسائية للمخرج المثنى صبح، بقعة ضوء في الجزء 8 و9 للمخرج عامر فهد، سباعية النداء الأخير للحب للمخرجة سهير سرميني، سكر وسط للمخرج المثنى صبح، مسلسل حارة المشرقة ومسلسل عين الجوز ومسلسل لستُ جارية للمخرج ناجي طعمي، مسلسل أزمة عائلية للمخرج هشام شربتجي، مسلسل الغريب للمخرج محمد رجب».