التواطؤ مع الأردأ
حسن م. يوسف :
بعد غزو العراق وتهديد رامسفيلد باجتياح سورية قلت من على شاشة الفضائية السورية: إن الغرب قد درسنا وعرف أسوأ ما فينا، وصنع من تلك المكونات مسخ الإرهاب، ثم وضع ذلك المسخ في أحضاننا وراح يطلق علينا الرصاص بحجة أنه يريد أن يخلص العالم من ذلك المسخ!
خلال السنوات الماضية جرت عملية كبرى هدفها دمج العروبة والإسلام بالإرهاب، وقد شاركت في هذه العملية المُرَكَّبة أطراف عديدة بعضها يمارس دوره عن سابق قصد وتصميم، وأكثرها كما الأخشاب تذهب إلى حيث يأخذها النهر.
قبل أشهر أدلى الرئيس الألماني السابق كريستيان فولف بتصريح لصحيفة «فرانكفورتر رونشاو» تحدث فيه عن «حق الألمان في أن يخافوا من الإسلام» بسبب الأصولية التي تمتد من شمال إفريقية إلى عموم الشرق الأوسط والتي تهدد باندلاع حرب طائفية عالمية بين المسلمين.
طبعاً أنا لا أنكر وجود عنعنات طائفية في العالم الإسلامي، إلا أن «أشرار السياسة» في الغرب هم الذين يستثمرون في هذه «الأمراض». والدليل على ذلك هو احتضان أميركا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا لأبرز قادة الفكر الظلامي المتطرف، كما أن الغرب يوعز لخدمه في المنطقة بأن يمولوا نقل المتعصبين إلى البلدان التي لهم مصلحة في إشعالها لإلهاء شعوبها عن عملية النهب المنظمة التي يمارسها الغرب لخيرات بلدانهم.
خلال عهد الرئيس أحمد سوكارنو المعادي لأميركا وسياساتها استطاع زعيم الحزب الشيوعي الإندونيسي عيديد أن يُكْسِبَ حزبه جماهيرية واسعة لأنه كان يمتدح الإسلام كدين يدعو للعدالة الاجتماعية. وللتخلص من حكم سوكارنو والحزب الشيوعي المتنامي بضربة واحدة، رتبت المخابرات المركزية الأميركية في عام 1965 مؤامرة مزدوجة قد تكون الأكثر دموية وقذارة في تاريخ آسيا، ففي حين كانت تخطط مع سوهارتو ذي التوجهات الإسلامية المحافظة، للقيام بالانقلاب على سوكارنو، سربت للحزب الشيوعي أن جنرالات الجيش يخططون لتدمير الحزب وقتل جميع أعضائه.
وفي صبيحة انقلاب سوهارتو قدمت السفارة الأميركية له قائمة بأسماء 5000 شخص من المعادين لسياستها، فأوعز سوهارتو للجماعات الإسلامية التي كانت تأتمر بأمره بقتل كل من يشتبه في انتمائه للحزب الشيوعي، وقد وفرت السفارة الأميركية للجلادين السيارات وأجهزة اللاسلكي وراحت تتابع المذابح عن بعد. وهكذا تم قتل سبعمئة ألف إندونيسي خلال أربعة أشهر، كثيرون منهم لا علاقة لهم بالسياسة. وهذا الرقم على حد قول الفيلسوف الإنجليزي برتراند راسل: «يعادل خمسة أضعاف عدد من قتلوا في حرب فيتنام خلال اثني عشر عاماً».
بعض الكتبة والسياسيين يحملون الإسلام مسؤولية تلك المذابح، لأن الأدوات التي نفذتها كانت ترفع راية الإسلام، فهل يمكن تحميل الدين المسيحي، مثلاً، مسؤولية مذبحة سانت بارثلميو التي وقعت عام 1572 وقام خلالها الكاثوليك الفرنسيون بذبح بين 20.000 و100.000 من أشقائهم البروتستانت؟
تقول وثائق تلك المرحلة: إن «شوارع باريس- مدينة الحب والجمال- قد امتلأت بالجثث وفاضت الأنهر بأشلاء القتلى حتى إن المؤرخين يذكرون أن الناس امتنعت عن أكل السمك لأشهر لأن أحشاءها كانت ملأى ببقايا الجثث البشرية»!
لقد تمرد الفرنسيون على حكم الكنيسة وحوَّلوا الدين إلى علاقة عمودية بين المخلوق والخالق، لكنهم عندما جاؤوا لاستعمار بلدنا أرادوا تنمية العنعنات الطائفية بيننا وتقسيم سورية إلى أربعة كيانات طائفية، بهدف تحويل بعضنا إلى سكاكين وبعضنا الآخر إلى ضحايا. يكذب الغرب عندما يدعي أنه يريد لنا الحداثة والديمقراطية، فقد زرع سرطان الصهيونية في كبدنا وكان ولا يزال يشجع أسوأ ما فينا ويشجعنا على الاقتداء بأسوأ ما فيه، كما يزج بأكثر مكونات منطقتنا تخلفاً ضد قوانا الحية لإحباط أي محاولة نقوم بها لإحراز شيء من الحرية والتقدم.