من دفتر الوطن

بيتنا الزجاجي..!

| عصام داري 

تقودنا الكلمات إلى بيت زجاجي من الأمل والتفاؤل، نخشى أن يرمينا صناع الحروب والتوحش والقبح بحجارتهم فتتصدع بيوتنا وينكسر بعض من زجاجنا.. وأحلامنا.
على الرغم من كل هذا الكم من الأحقاد والبشاعة سنواصل بناء بيوت أملنا ولو كانت من زجاج هش قابل للكسر في أي لحظة، إلا أننا مؤمنون بأن بيوتاً مصنوعة من زجاج التفاؤل هي أكثر صلابة من وحوش صنعوها من الفولاذ وقلوب قدّت من الصوّان.
كم نحتاج إلى أعاصير تقتلع الكراهية والتخلف والأفكار الظلامية التي سكنت في نفوس مريضة ورؤوس خلت من العقول.
كم نحتاج إلى ثورة في داخلنا قبل أي شيء، كي نخرج من دائرة العبث بالبشر والقيم النبيلة المنحورة والمصلوبة في دروبنا الطويلة.
ونحتاج إلى ضمائر صارت غائبة عند فئة من البشر لا تكترث بحياة الناس، بل هي كالفطر السام الذي يتغذى على مص دماء المواطن، والمضحك المبكي أنه يعيش بيننا معززاً مكرماً ويحتل مكان الصدارة في المجتمع، ويحاضر في «الفضيلة»! لكنه ازداد توحشاً ولؤماً وجشعاً مع هذه الأزمة التي تعرضت لها سورية خلال سنوات ست إلا قليلا، فتناوب مع الدواعش حيناً، وتعاون معها أحياناً، في تناغم لصوصي – إرهابي إجرامي لتحطيم الوطن وقتل المواطن!.
اكتشـفنا، متـأخرين، أن الفسـاد واللـصوصـية والرشـوة تطعـم أصـحابها الكافيار والقريدس والسلمون والعسل والشهد، ويحول الدماء إلى ذهب وفضة وماس وأوراق بنكنوت توضع في مصارف بعيدة عن العين! أما نظافة اليد وعدم الانخراط في مستنقع الفساد فصارت نوعاً من الغباء!.
عندما يغيب الضمير عن ضعاف النفوس ومتصيدي الفرص في الحالات العادية، أي في حالات الأمن والأمان والاستقرار في أي بلد، فتلك مصيبة، لكن عندما يصبح ضمير هذا المخلوق البشع في ظل الأزمات الوطنية والقومية ضميراً مستتراً وفي خبر كان تصبح المصيبة أعظم والبلاء أشمل، لأن ممارسات هذا المخلوق فاقد الضمير ستؤذي إلى حد القتل شريحة واسعة جداً من المجتمع، خاصة عندما يتعلق الأمر بلقمة المواطن ورغيف الخبز.
أعرف أن صوتي لن يصل لمسامع أحد، «لأنهم» فقدوا حاسة السمع منذ زمن بعيد، وفضلوا عليها حاسة اللمس وهم يتلمسون أوراق البنكنوت والشيكات والذهب، و«لأنهم» فقدوا ذاكرتهم ومن الصعب تذكر أيام كانوا في صفوف المواطنين الذين لا يضعون على رأسهم ريشة!.
أخذني الكلام إلى حيث لم أكن أرغب فيه، فأنا، كما يعرف أصدقائي، أرفع على الدوام راية التفاؤل والأمل بالغد الآتي، وربما قادتني الحال التي نمر بها في ظل أزمة ستكمل سنتها السادسة بعد أيام معدودات، إلى حديث الفساد والضمير المفقود عند أشخاص يعرفهم أبناء بلدي، لكن هذا كله لن يفقدني الأمل والتفاؤل الذي لو تخليت عنه فكأنني تخليت عن سبب وجودي في الحياة، فسأظل نصير«جماعتي» فقراء هذا الوطن المتجذر فيه، وسأشعل كل يوم مشاعل أمل وأزرع نبتة الحب في التربة الخصبة، نفوس الطيبين الخارجين من زمن الجمال والسحر والخيال.
سأتمسك ببيتي الزجاجي المصنوع من الأمل والتفاؤل، تماماً كما بدأت زاويتي هذه، ولن أخشى أن يرميني صناع الحروب والتوحش والقبح بحجارتهم، لأن زجاجنا مقاوم للكسر والصدمات والتوحش العابر للحدود، والساكن في جسد الوطن كسرطان خبيث.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن