ثقافة وفن

متى تنتهي الحرب؟ سؤال جوابه في فطرتنا الإنسانية…عندما يصبح الإنسان عدواً لأخيه بالغريزة!!

بثينة البلخي : 

ككثيرين، تملكني اليأس من متابعة الأخبار التي لا تأتي إلا بشؤم وحزن كاد القلب يتصلب حيالهما فيفقد إحساسه، طلبت مساعدة «غوغل» ليسعفني بأمل صغير وسألته «كيف تنتهي الحرب؟!».. في الحقيقة ما من شيء زادني إحباطا كأجوبة غوغل، كانت قاسية على نحو يخيل لك أن لا نهاية لحرب قد يشهدها بلد من البلدان، لكن إلى أي حد يصح ذلك؟ وماذا لو قرأنا في تاريخ البشرية؟ ألم تكن الحروب على الدوام؟ ألم تتحول أكثر البلدان عداوة مع الزمن إلى أكثرها ودا؟ أو تقرر التهادن ولو لفترة أو فترات؟ أهو التفاؤل من جديد من يقودني إلى طرح التساؤلات؟ أم إننا «محكومون بالأمل»؟!!

أسوأ الشرور
يعتقد الفيلسوف الإنكليزي توماس هوبز أن الناس سئموا الصراع والقتال وأدركوا أن الحرب هي أسوأ الشرور، فاجتمعوا واتفقوا على تنظيم حياتهم للتخلص من هذه الشرور، ورأوا أن ذلك لن يتحقق لهم إلا إذا بحثوا عن السلام واتبعوه، لكن لماذا لم تتوقف الحروب على مر تاريخ البشرية؟ هل من شأن ذلك أن يقود إلى النتيجة التي تحدث بها بعض الفلاسفة من أن العدوان غريزة طبيعية لدى الإنسان كفرويد وماركس وكثيرين غيرهم؟!
لقد رأى فرويد أن جميع دوافع الإنسان ورغباته يمكن ردها إلى غريزتين فقط؛ غريزة الحياة، وغريزة الموت التي تظهر في السلوك التخريبي والهدم والعدوان على غيرنا (كما في الحرب) أو العدوان على النفس (كما في الانتحار)، وبناء عليه فإن فرويد ينظر إلى العدوان على أنه استعداد غريزي، بالتالي يصبح الإنسان عدوا لأخيه الإنسان بالفطرة والغريزة، وتنحصر رسالة المجتمع في تهذيب هذه الدوافع، ولا تبدو غريزة العدوان في اعتداء الإنسان على أخيه الإنسان وحسب، وإنما تبدو أيضاً في الرغبة في تدمير الجمادات وتحطيمها، وفيما يحدث في بلادنا اليوم خير دليل على صحة هذا القول.

لوثة الجنون
ربما يفسر هذا لوثة الجنون التي تستبد بالبعض لنراهم يقتلون من دون وعي ويدمرون كما الأعاصير غير عابئين بما يلحقونه من أذى بالعالم وحضاراته، بل إنهم ينظرون إلى الحرب على أنها فرصتهم الوحيدة للبقاء والازدهار، ولا عجب في أن توصف السياسة بأقبح الأوصاف استنادا إلى تبريرها الحروب والعدوان، فانظر كيف اعتبر ميكافيللي في كتابه «الأمير» أن ازدراء فن الحرب هو السبب الرئيسي في ضياع الدول وفقدها وأن التمرس فيه وإتقانه هو السبيل إلى الحصول على الدول والإمارات، ورأى ميكافيللي أن الحرب فضيلة والسلم رذيلة ينبغي على السياسي ألا يغتر به لأنه يجلب الفساد والهلاك لذلك ينبغي «على الأمير ألا يستهدف شيئاً غير الحرب وتنظيمها وطرقها».
لا يختلف اثنان على أن الدول القوية ترى في هذا الفكر قاعدة لسياساتها تجاه الدول الضعيفة، وقد بات ممجوجا القول إن هذه الدول ترى ألا سبيل لبقائها إلا بهذا الفكر، وعلى هذا فأنى للحروب أن تنتهي! وربما ستبقى حالة السلم طارئة وحالة الحرب ثابتة، ولاسيما في منطقتنا الضعيفة حد التفتت، والتي تجتاحها الحروب اليوم كما الأمواج العاتية.

تاريخ زاخر بالحروب
لكن ثمة أمل، فالتاريخ الإنساني يزخر بالحروب، كما نهاياتها، وهذه إما أن تكون بإبادة الآخر، وإما بالتفاهم معه، والخيار الثاني هو الأكثر شيوعا كما يذكر لنا التاريخ، فحرب المئة عام بين انكلترا وفرنسا والتي شهدت فترات من السلم، انتهت بالاتفاق بين البلدين على خروج جميع الجنود الإنكليز من فرنسا، وانتهت الحرب العالمية الأولى بتوقيع ألمانيا على استسلام للدول الحليفة بلا شروط تقريباً، وانتهت الحرب العالمية الثانية أيضاً باستسلام ألمانيا واليابان، وفي منطقتنا كانت نهايات مختلف أوجه الاحتلال التي شهدها النصف الأول من القرن الماضي على شكل اتفاقيات نصت على خروج المحتل واستقلال البلد الذي احتله، وسورية أحد تلك البلدان.
يؤكد الصحفي الأميركي المتخصص في الكتابة عن الحروب جون هورغان أن «الحروب لا تشكل جزءاً من الحالة الطبيعية للبشر»، ولطالما أصر فلاسفة وقادة ومؤرخون على أن الحروب لن تستمر أبدا وستنتهي بشكل أو بآخر، فالحضارة تشجع اعتماد طرق أقل عنفاً لتحقيق التغيير.
وتدفع الإحصائيات التي خلصت إليها أبحاث عديدة حول الحروب الحديثة على الأمل، إذ تؤكد أن الإنسانية بمجملها أصبحت أقل ميلاً للحروب مما كانت عليه، وسيكون من دواعي التفاؤل والسرور أن نمني أنفسا بالفطرة الإنسانية التي تميل إلى السلم لا إلى الشر الذي تجسد الحرب أحد أشكاله، فها هو عالم الأنثروبولوجيا جوناثان هاس يقول: «إنه ليس للحرب وجود فطري وفق المعنى اللغوي لهذا المفهوم، وقد أظهرت ذلك جميع المجتمعات الإنسانية المعروفة في الأزمان كافة».

هل يعدّ السلم هو الحل؟
أهم من ذلك، يقول اللـه تعالى في كتابه العزيز: «وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم»، وورد في الكتاب المقدس آيات تحث على المحبة وتنهى عن الشر منها: « اَلْمَحَبَّةُ فَلْتَكُنْ بِلاَ رِيَاءٍ. كُونُوا كَارِهِينَ الشَّرَّ، مُلْتَصِقِينَ بِالْخَيْرِ»، وما الحرب إلا شر وما السلام إلا خير، وقد لا يؤمن كثيرون بهذا لكن اللـه الذي خلقنا لا بد أنه فطرنا على المحبة والخير وإلا ما أمرنا بهما، وليس من جواب لسؤالي وسؤال كثيرين ينتظرون أن تنتهي الحرب إلا القول: إن فطرتنا الخيّرة ستنتصر، أما متى فذلك هو السؤال.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن