ثقافة وفن

قائد الثورة السورية الكبرى لم يحصل على وسام سوري! … سلطان باشا صياد المستعمرين وشيخ المجاهدين ورافع أول علم عربي في سماء سورية

| عامر فؤاد عامر

يبقى للمثال الوطني حضوره اللافت في حياتنا اليوميّة، ولاسيما في هذه المرحلة الراهنة، فالرمز الوطني هو المنارة التي تستقي منها الأجيال مقدرتهم وكفاءتهم لمواكبة المستقبل والعمل على بناء قلعة حقيقية لا يتمكن الغزاة والمضطهدون أن يقربوها، ومن هذه الأسماء التي تركت بصمتها باعتراف العدو الفرنسي، قائد الثورة السوريّة الكبرى سلطان باشا الأطرش، فقد أقام المركز الثقافي العربي في أبو رمانة، وضمن سلسلة شخصيات وطنية، ندوة ثقافية بعنوان سلطان باشا الأطرش، وشارك في الندوة التي أقيمت بالتعاون مع أمانة دمشق للثوابت الوطنية مدير الهيئة العامة السورية للكتاب الدكتور ثائر زين الدين والباحث يوسف مريش، وقد عُرض تقرير توثيقي في الندوة يشير إلى مراحل النضال والثورة وشيء من مسيرة قائد الثورة السوريّة الكبرى.
ولد قائد الثورة السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش في قرية القريّا في محافظة السويداء في 5 آذار 1891 والده ذوقان بن مصطفى كان مجاهداً وزعيماً محلياً قاد معركة مهمة ضدّ العثمانيين بقيادة سامي باشا الفاروقي في نواحي قرية الكفر في العام 1910. أدى سلطان الأطرش الخدمة العسكرية في رومانيا، ومنذ عودته تابع الاتصال بالحركات العربية بفضل علاقته الدائمة بدمشق، فصارت القرياّ ملجأ ومعقلاً للفارين من الأتراك وللمناضلين الملتحقين بالثورة العربية في العقبة. وكان سلطان الأطرش أول من رفع علم الثورة العربيّة على أرض سورية قبل دخول جيش الملك فيصل، حيث كان في طليعة الثوار الذين دخلوا دمشق سنة 1918، بعد أن رفع العلم العربي في ساحة المرجة فوق مبنى البلدية بدمشق، وبذلك سبق الجيش الإنكليزي الذي زحف من فلسطين إلى دمشق ليدخلها بالتنسيق مع الملك (فيصل الأول) الذي منحه بعد ذلك لشجاعته لقب (أمير) عام 1916، كما منحه أيضاً رتبة فريق في الجيش العربي، وهو يوازي لقب باشا.
في تموز 1920، انطلق سلطان الأطرش مع آلاف من الفرسان المقاتلين لملاقاة الفرنسيين في ميسلون، لكن خبر استشهاد يوسف العظمة كان قبل وصولهم المكان، فقال حينها جملته المعروفة: «خسارة معركة واحدة لا تعني خسارة الحرب كلّها»، وفي عام 1925 انطلقت الثورة من جبل العرب بقيادته لتشمل سورية وجزءاً من لبنان اللتين كانتا ترزحان تحت نير المستعمر الفرنسي، وقد امتازت بمعارك ضارية استمرت بين عامي 1925 و1927، إلا أن الثورة استمرت ولم يلق السلاح وتشير المصادر إلى أن هذه الثورة امتدت إلى العام 1937. وقد كان لهذه الثورة نتائج كبيرة مهمة اعترفت بها فرنسا في حينها وتوثقها مذكرات القادة الفرنسيين.
ثائر زين الدين وفي كلمته في هذه الندوة وقد استخدم فيها ألقاباً قيلت في المجاهد الكبير سلطان باشا الأطرش من خصومه والوطنيين: «رحل عنا ((صياد المستعمرين))، و((شيخ المجاهدين))، ورافع أول علم عربي في سماء سورية، سلطان الأطرش، رحل عن 93 عاماً قضاها في مقارعة المحتلين وفي أشكال النضال المختلفة ضد الغاصبين، منذ مشاركته الأولى في معركةٍ قادها والده الشيخ ذوقان الأطرش سنة 1910، ضدّ الاحتلال العثماني في قرية الكفر… سيق سلطان باشا عنوة لأداء الخدمة العسكرية في تشرين الثاني 1910 ونقل مع رفاق له من دمشق إلى بيروت ثم من بيروت إلى تركيا ليشارك في معارك البلقان ليكتسب تجربة عسكرية رفض أن يوظفها لمصلحة الأتراك… ثم لبى نداء الثورة العربية الكبرى وكان على رأس مجاهدي الجبل فيها، وقد احتفل بهذا الالتحاق بحضور عدد من أحرار العرب ورجالاتها ومجاهديها برفع العلم العربي فوق داره في القريا وباشر جمع حملة من الثوار توجه بها إلى العقبة لتلتحق بالجيش الفيصلي… ».
عندما وصل ثوار الجبل إلى ساحة المرجة في دمشق كانوا أول من أنزل العلم التركي ورفع العلم العربي مكانه وهم يغنون:
وسعوا المرجه ترى المرجه لينا
وسعوا المرجه…. لتلعب خيلنا
ويهزجون أنشودة الشاعر معذى المغوش:
عرش المظالم انهدم….. والعز طب بلادنا
راحت عليكم ياعجم خوض المعارك دابنا
حنا حماتك يا علم……. بأرواحنا وأكبادنا
تشير المذكرات إلى أن الثوار عقدوا حلقات الدبكة في ساحة المرجة وهم يرددون أهزوجة معذى المغوش: «وسعوا المرجة ترى المرجة لينا وسعوا المرجة لتلعب خيلنا».
ذكر الدكتور:«.. قاد سلطان الأطرش عام 1925 الثورة السورية الكبرى التي شارك فيها خيرة مجاهدي الوطن، وحظيت بإجماع وطني منقطع النظير وخاض أشرف المعارك فكانت معركة الكفر أولى معارك الثورة في 23 تموز 1925 وكانت معركة سريعة أبيدت فيه الحملة الفرنسية عن بكرة أبيها، ولم ينج منها إلا نفر قليل تُرك عن قصد ليحمل أخبار الهزيمة إلى قيادتهم، وقد أصدر بيان الثورة التاريخي الذي توجه بشعار «الدين لله والوطن للجميع» ونادى فيه العرب إلى السلاح إلى السلاح أيها العرب السوريون، وطالب فيه بوحدة البلاد، وتعيين حكومة شعبية تجري انتخابات مجلس تأسيسي لوضع قانون أساسي يقوم على مبدأ سيادة الأمة المطلقة والقانون والعدل والحرية والمساواة ولاقت هذه الدعوة استجابة عارمة في البلاد، فاختير بعدها سلطان قائداً عاماً لجيوش الثورة الوطنية». وفي نهاية كلمته ذكر جزءاً من وصية سلطان باشا الأطرش التي توجه بها إلى السوريين قبل وفاته وكلمته المشهورة: «الدين لله والوطن للجميع».
استمرت الثورات وحملات الفرنسيين على جبل العرب معقل الثورة فكانت المعارك بين لبنان وسورية مثل المزرعة وسحيتا والمجدل وراشيا والمسيفرة والسويداء وعرى وأم الرمان وغيرها واستمرت المعارك والتضييق على الثوار لينزحوا إلى الأزرق في الأردن ومن ثم وادي السرحان في الحجاز بعد أن رفضوا إلقاء السلاح… ومما قاله الشاعر القروي في سلطان الأطرش وبطولات المجاهدين بعد انتشار الأخبار عن البطولات في بلاد المهجر والبلاد العربية:
خففت لنجدة العاني سريعاً
غضوباً لو رآك الليث ريعاً
وثبت إلى سنام التنك وثباً
عجيباً علم النسر الوقوعا
ويالك أطرشاً لما دعينا لثأرٍ
كنت أسمعنا جميعا
فتى الهيجاء لا تعتب علينا
وأحسن عذرنا تحسن صنيعا
وجد جمال عبد الناصر سلطان باشا الأطرش رمزاً للنضال العربي وعدّه أستاذاً له وقلده أعلى وسام في الجمهورية العربية المتحدة، توفي في مسقط رأسه في 26 آذار 1982 ونعاه رئيس الجمهورية العربية السورية حافظ الأسد، وحمل النعش في الطائرة لتحلق فوق المعارك الخالدة التي قام بها، ثم أقيم صرح كبير خاص برفاته وبالوثائق الخاصة بالثورة والأسلحة تخليداً لذكرى الثورة ومسيرة قائد الثورة السورية الكبيرة، وكتب فيه الكثير من المؤرخين والإعلاميين والشعراء والأدباء.
ذكرت حفيدة سلطان باشا الأطرش بمشاركة منها في الندوة معلومات جديدة مهمة من وثائق جمعتها حول الثورة وسيرة المجاهد الكبير، جمعتها لتصدرها في كتاب جديد في مرحلة قادمة، ومن هذه المعلومات تخصيصه غرفتين في داره حمى فيها الهاربين من الجندية قبل العام 1918 كلجوء لهم، وعن العلم العربي وكيف وضعت عليه النجمة البيضاء والذي رفع على سرايا دمشق، وموضوع امتداد الثورة من 1925 إلى 1937 وإلى فكرة عدم تجزئة الثورة في سورية فالثورة السورية الكبرى واحدة، وعن حرمان الإنكليز لهم من الماء عندما لجأ الثوار إلى وادي السرحان، والحديث عن مرحلة ما قبل معركة المزرعة، وغيرها من الحقائق والمعلومات المهمة، وعن مؤتمر الصحراء في العام 1929 وقرأت مما جاء فيه، كما ذكرت بعض الحقائق كعدم دعوة سلطان باشا الأطرش إلى أول عيد جلاء، وأن سلطان باشا الأطرش لا يحمل أي وسام سوري، على حين يحمل وسام الأرز اللبناني.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن