ثقافة وفن

سامي القباني ويأفل نجم

| الدكتور محمود السيد

لكم هو قاس ومؤلم أن يخسر الوطن قامة شامخة عزّ نظيرها في ميدان الطب، إنه الدكتور سامي القباني، النطاسي المشهور الذي كان نجماً ساطعاً في تخصصه، ورمزاً وطنياً صادقاً في انتمائه ومثالاً رائعاً في مناقبه وأخلاقه، وقدوة حية في إخلاصه وإنسانيته المرهفة.
لقد كان دأبه التميز في أداء عمله، فعني أيما عناية في تأسيس مركز جراحة القلب بمشفى المواساة، فكان الإداري الناجح كما شهد على ذلك كل من تعامل معه في ذلك المركز، انطلاقاً مما كان يتصف به من دماثة وتهذيب وحكمة في معالحة الأمور، والسمو عن السفاسف وقدرة على التحمل والاستيعاب.
وإن أنسَ فلا يمكنني أن أنسى زيارتي له في مركز جراحة القلب ربيع عام 1991 وقد كنت آنئذ عميداً لكلية التربية بجامعة دمشق، وقد تعرضت لوعكة صحية إثر ضغط تنفس على الصدر، ما تطلب إجراء تخطيط للقلب، فقصدت مركز جراحة القلب حيث قابلني الدكتور سامي رحمه الله بابتسامته العذبة، والتفت إلى زوجتي التي كانت ترافقني في هذه الزيارة الطبية وكانت وقتها مفتشة أولى في الجهاز المركزي للرقابة المالية وتقوم بجولة تفتيشية في المركز، وقال لها مازحاً: الآن سترين قلب زوجك وما في داخله، فقالت له: إن زوجي يقول: إن صورتي محفورة في قلبه، ولم يعرف قلبه صورة أخرى، فقال ضاحكاً: الآن سنتأكد من صحة هذا الكلام.
ولقد شرفني رحمه الله بزيارته لي مهنئاً عندما أسند إليّ منصب وزير تربية عام 2000، ولكم أكبرت تلك الزيارة من شخصية بارزة سلوكاً ومكانة ووطنية.
وفي النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي أقام مجمع اللغة العربية بدمشق ندوة عن الإعلام واللغة العربية، وقد أسهمت ببحث فيها عن الأخطاء اللغوية في الإعلام المكتوب بعد أن قمت بعملية استقرائية لعدد من الصحف والمجلات الصادرة للوقوف على ما ورد فيها من أخطاء، وكانت مجلة«طبيبك» التي يشرف عليها الدكتور سامي من المجلات التي وقع عليها الاختيار لكثرة قرائها. وقد استرعت هذه المجلة انتباهي برزانتها وطرافة موضوعاتها وسلامة لغتها ورشاقة أسلوبها، ولا عجب في ذلك ما دامت بإشراف ذلك النطاسي المتمكن، وما دامت امتداداً لإشراف والده الطبيب المشهور صبري القباني الذي رعاها من قبل بثقافته الجادة وحكمته المتميزة، وأكمل الابن مسيرة والده إشرافاً فعالاً ورزانة بناءة، وإخراجاً شائقاً، ومحتوى جذاباً جمع فيه بين المتعة والفائدة.
جميل جداً أن يكون الطبيب مجلياً في ميدان اختصاصه، وماهراً في مهنته، فقد كان الدكتور سامي ذلك الطبيب المجلي والماهر، والأجمل من ذلك أن يكون إلى جانب مهارته أخلاقياً في ممارسة عمله، ومناقبياً في تواصله مع مرضاه، وناصحاً أميناً في تشخيص المرض ووصف سبل العلاج، وقد كان الدكتور سامي مثالاً وقدوة في رهافة مشاعره الإنسانية ونبل أخلاقه في تواصله الاجتماعي.
رحمه الله الرحمة الواسعة سعة ما أفاض على وطنه من خدمات جليلة أنقذت القلوب المنهكة وأعادت الحياة إلى النفوس المكلومة وجعل الجنة مثواه، وألهم ذويه وطلابه ومحبيه الصبر والسلوان، إنا لله وإنا إليه راجعون.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن