إعادة تموضع إقليمي على مسارين
| د. عمّار فاضل
من الواضح أن لا أحد يفهم ترامب كما يفعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اليوم؛ الأميركي الذي يعيد صياغة سياسته الخارجية، بالتوازي مع إعادة ترتيب داخلي لمؤسسات الدولة العميقة، مازال رأس الهرم فيه يشكّل إشارة الاستفهام التي تحتاج إلى إجابة، وفي عدم وجود تاريخ سياسي واضح لترامب، وعدم وجود رؤية مستقبلية واضحة له، كان من الأفضل الاستعداد له من خلال إعادة تموضع إقليمي يقوده الروس على مسارين متوازيين: أولهما إعادة خلق توازن جديد على مستوى الداخل السوري، وثانيهما إعادة خلق توازن إيراني تركي في الملف الأكثر حساسيةً في منطقة الشرق الأوسط وهو الملف السوري.
لذلك كان لابدّ لمؤتمر «استانا» الذي يعطي دوراً أكبر للتركي في الملف السوري، في ظل انشغال الأميركي الداخلي، ويفسح الطريق أمام أردوغان لالتفاف نحو المعسكر الروسي أقل تسارعاً من التفافه الأول الذي دفع ثمنه انقلاباً كاد يودي بحكمه؛ بعد أن استشعر أن كفة الأكراد ترجح على كفته لدى الإدارة الأميركية، ولا طائل من دفع واشنطن للتخلي عن الأكراد.
كما حقّق «أستانا» ولو بشكل نسبي رضىً للإيرانيين الذين عبّروا عن استيائهم من تصريحات ترامب حول الملف النووي الإيراني، من خلال اعتراضهم على دور للولايات المتحدة في الإجتماع، وتمت الاستجابة الروسية لذلك بدعوة واشنطن بصفة «مراقب»، الأمر الذي لم يكترث له الأميركيون كثيراً في ظل إدارة رئيس توحي بشكل من أشكال المهادنة مع الروس، بل أيضاً الالتفاف نحو منافسة الولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي «الصين».
أما على الصعيد الداخلي السوري فكان لابد من السير في ثلاثة مسارات متوازية: أوّلها العمل على تثبيت خطوط وقف الأعمال القتالية، وثانيهما استمرار توجيه ضربات قاسية للمجموعات المسلّحة في إدلب وريف حلب الغربي، على رأسها جبهة فتح الشام «النصرة سابقاً» لتعزيز الخلافات بينها من جهة، ولعدم السماح لهم بإعادة تنظيم صفوفهم والتزوّد بالأسلحة كما فعلت في وقف إطلاق النار السابق، وثالثهما إفساح المجال للجيش السوري لانتزاع المبادرة في ريف حمص الشرقي في تدمر ومحيط مطار T4.
ولعّل أبرز ما رأيناه في «استانا» أيضاً هو إسقاط كل الأشكال السياسية السابقة للمعارضة، والتي لم تكن تمتلك من أمرها شيئاً على الميدان السوري، واستبدالها بوفدٍ موحّدٍ من قادة عددٍ لا يستهان به من الفصائل المسلّحة على الأرض، وبعيداً عن الشرط المشهور لكل الوفود السابقة متمثّلاً «برحيل الرئيس الأسد»، مّا يمهّد الطريق نحو سير سلس لـ«جنيف» في شباط القادم؛ تنبثق عنه قرارت أكثر فعاليةً لحل الأزمة السورية. وأولى علامات نجاح سياسة بوتين تظهر اليوم من خلال أولى العمليات المشتركة مع كل من تركيا والتحالف الدولي بقيادة واشنطن على أهداف ضد داعش في الباب كما أعلنت وزارة الدفاع الروسية.