سورية الطريق إلى الحرية … وليد المعلم يوثق طريق النصر حتى الاستقلال
| إسماعيل مروة
سورية هذه الرقعة الاستراتيجية على مستوى العالم، والغالية على نفوس السوريين في كل مكان وفي كل بقعة، وفي كل جزء من أجزائها، وبعيداً عن المشاعر العاطفية فإن سورية تمثل للعالم محوراً غاية في الأهمية، وترغب كل قوة أن تكون حصتها، لذلك تكالبت عليها القوى منذ القدم، وهذا ما يزال إلى اليوم، وفي كل مرحلة من المراحل تدفع سورية الثمن لتبقى كما هي أيقونة عصية على الاستعمار، وهذا ما يشير إليه العنوان العريض «الطريق إلى الحرية»، وقد تناولت دراسات عديدة هذه المرحلة من تاريخ سورية، لكن الكتاب الذي صدر مؤخراً عن الهيئة العامة السورية للكتاب، وبتوقيع الأستاذ وليد المعلم وزير الخارجية يحمل نكهة أخرى في جميع مفاصله، ويدفع القارئ إلى تناوله على الرغم من ضخامته، إلا أنه يمثل إضافة إلى المكتبة العربية والسورية، ويقدم نموذجاً عالياً من التأليف العلمي التوثيقي الذي اتبع منهجاً محدداً لم يحد عنه، ولم يمل مع الهوى حيث أراده أن يميل، وعاد به إلى حقبة قديمة من تاريخ سورية الحديث لأسباب كثيرة:
– أراد أن يظهر مكانة سورية لدى من يجهل هذه المكانة من أبنائها.
– أعاد إلى الأذهان سيرة الأطماع الاستعمارية للدول الكبرى.
– أظهر التحالفات وخطورتها وخاصة عندما تكون بين الضعيف والقوي.
– كشف بذور التحرر لدى العرب وإخفاقاتها لكونها فردية.
– أظهر التحولات التي انتابت الدعوات الحرة والنبيلة عند العرب.
– كشف الدعوات الانعزالية والقطرية التي أسهمت في إخفاقات عديدة.
ثلاثة عقود إلى الحرية
يعد هذا الكتاب للأستاذ وليد المعلم الحلقة الوسطى بين كتابين سبق صدورهما قبل سنوات طويلة، الأول يغطي مرحلة الانتداب بتمامها، والثاني يصل إلى تجربة الوحدة بين سورية ومصر عام 1958، والكتاب الأول يتداخل في الحقبة الزمنية المدروسة، إذ يبدأ عام 1917 لينتهي عم 1948، بينما يبدأ الكتاب الحالي عام 1916 بعام سابق واحد، وينتهي قبل الكتاب الأول بعامين مع تجربة الاستقلال، وربما كان للمفصل التاريخ علاقة بالعنوان، فالحرية وفجرها كان بعام 1946، والبداية تبدأ مع بداية النهوض والثورة العربية الكبرى التي انطلقت شرارتها لتحرير البلدان العربية من الاستعمار العثماني وهيمنته، لذلك كانت الفصول الثلاثة الأولى مسوغة ومنطقية إضافة إلى المقدمة «عرب وترك»، وقد جاءت الفصول الثلاثة الأولى: سورية ضحية الاتفاقات السرية، طاب الموت يا عرب، نهاية العهد الفيصلي ومع عنوان الفصل الحماسي، إلا أن ما يحمد للكاتب المتابعة الدقيقة لجزئيات كثيرة يصعب أن نعثر عليها في مرجع واحد أو مصدر واحد، وخاصة أن المصادر الأخرى تركز على العصر، بينما كتاب المعلم يركز على المنطقة «سورية» وتقلبات العصور عليها ومقاومتها لكل الأشكال، وهذا ما يتضح من رسالة الكاتب في المقدمة، التي تظهر غاياته التي كانت وراء إنجاز الكتاب «الحرص على تدوين فترة محددة من تاريخ سورية الحديث لم يكتب عنها الكثيرون، إنها فترة الانتداب»، وإضافة إلى تدوين تاريخ سورية، فإن للكتاب غايات أخرى، «يبحث هذا الكتاب في تحالف الضعيف مع القوي، وفي تآمر القوي على الضعيف، ويدرس نتائج مؤامرة وضعت خطوطها منذ قرن من الزمن، وسميت اتفاق سايكس- بيكو»، ويتابع في رسالته المقدمة التي تمثل رائزاً للدراسة وتقييماً لرسالتها، «إنهم لم يفعلوا ذلك كله بسبب الأطماع الاستعمارية، ولا تنفيذاً لسياسة فرق تسد فحسب، بل فعلوا ذلك لأنها سورية القصد والغاية. لقد أرادوا أن يرسموا لها في الماضي صورة الحاضر، حتى يتمكنوا من المنطقة من خلال تمكنهم من سورية، وأرادوا تكبيل شعب سورية بالاحتلال، وتحجيم دوره بوسائل التجزئة»، ويختم المقدمة المعبرة عما يحاك ضد سورية «إن حلم السيطرة على سورية راود كل القوى الاستعمارية، فتصارعت من أجله، وخلقت المحاور العربية والدولية، لكن الحلم بقي سراباً وبقيت سورية مفتاح الشرق الأوسط، والمرآة التي تعكس كل ما يجرى حولها».
فالقضية كما يراها المعلم ليست مؤامرة بقصد المؤامرة، وليس طمعاً، وإنما لما تمثله سورية للمنطقة العربية والعالم، فهي مفتاح النور فيه، وهي مفتاح السيطرة عليه، وربما كان في هذه الرسالة صرخة مدوية لنا أن نعي أهمية بلدنا، ونبل سورية، لنعرف كيف نجعلها في المكانة اللائقة، وليس في المكانة التي أرادها لها العالم القوي، ولقد لفتني تلك الإشارة الذكية المتعلقة بالتحالفات الدولية، وخاصة تلك التي بين الأقوياء للسيطرة على الضعيف، أو بين القوي والضعيف، فهل من تحالف منصف بين القوي والضعيف؟ وهل يحافظ القوي على التكافؤ عندما يتحالف مع الضعيف. ينطلق المعلم من التحالفات التي جرت بين العرب والقوى الاستعمارية الكبرى في بداية الثورة العربية الكبرى، وربما يصح أن نتعلم من هذه القاعدة المهمة، وذلك بأن نكون أقوياء، أو نعمل على قوتنا، لننجز تحالفات متكافئة مع الأقوياء وإن لم تكن ندية.
قرن من الزمن ليس مصادفة أن يصدر الكتاب الجديد للمعلم بعد قرن من اتفاقيات الشؤم سايكس- بيكو التي قسمت المنطقة العربية، وسورية تحديداً، وأن تترافق التواريخ مع رقم ستة بداية الثورة، وبداية سيرة الحرية، وبداية عودة المؤامرة، لتتحول القضية من مسألة شرقية إلى مسألة سورية، وأمام رؤية واسعة للمؤلف نستطيع أن نحلل سبب اختيار التاريخ لنشر هذا البحث الموسوعي لتكتمل الموسوعة بأجزائها الثلاثة، فمنذ عام 1916 وإلى اليوم 2016 أول مرة تجتمع قوى التحالف الاستعماري قادرة وحالمة لإنجاز مشروعها الاستعماري، فبعد قرن من تقاسم تركة الرجل المريض «الدولة العثمانية» صحت هذه القواعد الاستعمارية مجدداً وتجدد الحلم التركي بالعودة إلى مسرح المنطقة بعد أن خرجت تركيا مكرهة وخاسرة وصاغرة، فبين الدول الغربية والدول الشرقية والدول الإقليمية تدور رحى التنافس على المنطقة وعلى سورية أولاً لأنها مفتاح المنطقة والأساس فيها، ناهيك عن أن اختيار عام 1916 يعود بنا إلى الدور الروسي حيث لم تكن الثورة البلشفية قد أسست لنفسها لتغير من المعايير الاستعمارية.. قرن من الزمن مرّ على المسألة الشرقية وعلى الاتفاقات السرية التي عملت عملها في المنطقة، وكأن المعلم يريد أن يحذر من الغيبوبة في ظل التحالفات الغربية والعربية من اتفاقات سرية وتحذر من الانسياق من أشباه الشريف حسين مع أشباه وأحفاد مكماهون، لأن النتائج لن تكون أفضل مما كانت عليه، فكلا الطرفين العربي والغربي لا يزال على صورته، القوي والضعيف، القائد والتابع، المخادع والعاطفي، وهكذا فإن طريق الحرية لن يكون كما يريده البسطاء والضعفاء، وإن كانوا شريرين.
جاءت المقدمة عن العرب والترك لتشرح ما كان يمور تجاه الاستبداد، ولتظهر نشوء الجمعيات الأدبية والسياسية التي تشكلت رد فعل على الفكر التركي القومي، ويعرج على وجود حركات عربية إصلاحية تدعو إلى التعايش مع الدولة التركية، وأخرى تدعو إلى الثورة العارمة التي آمنت بأن فكرة العيش في حضن الدولة التركية فكرة خاطئة وغير ممكنة، وكل ذلك قبل تبلور فكرة الثورة العربية الشاملة في مواجهة البطش التركي القومي، وها هي الجالية العربية في باريس تدعو إلى تشكيل لجنة أسماؤها تدل عليها بما تحوي من تنوع «شكري غانم، محمد المحمصاني، ندرة المطران، عوني عبد الهادي، جميل معلوف، شارل دباس، جميل مردم، عبد الغني العريسي»، وبعض هذه الأسماء خلدت في قوائم شهداء الوطن من أجل الحرية ولو نظر أحدنا إلى ما تريده هذه اللجنة وجد أنها تبحث في أبسط الحقوق اللازمة للعرب:
1- حقوق العرب في المملكة العثمانية، 2- ضرورة الإصلاح على قاعدة اللامركزية، 3- المهاجرة من سورية وإليها، هذا وقد وسعت اللجنة قاعدتها في بيانها حين قالت: «إنه مؤتمر يقوم به السوريون، ويمثل به العرب جميعاً، حتى نبسط للأمم الأوروبية أننا أمة متماسكة، ذات وجود حي لا يحل، ومقام عزيز لا يضام، وخصائص قومية لا تتزعزع ومنزلة سياسية لا تقرع، حتى نصارح الدولة العثمانية بأن قاعدة اللامركزية قاعدة حياتنا، وأن حياتنا أقدس من حقوقنا، وأن العرب شركاء في هذه المملكة، وشركاء في الحرية، وشركاء في السياسة، أما في داخل بلادهم فهم شركاء أنفسهم» كل ما أراده العرب في الصوت الممثل لهم هو الشراكة، فما دام الإنسان شريكاً في الأرض والحياة فهو شريك في الحرية والسياسة، وبدل أن يتفهم الأتراك مطالب العرب في اللامركزية لا في الانفصال، فقد عمدوا إلى إجراءات عدة «استدعاء بعض أنصارهم من العرب لإفشال المؤتمر- محاولة إقناع الحكومة الفرنسية بمنع عقد المؤتمر، تحريض الشيخ عبد العزيز الجاويش للمطالبة بالجامعة الإسلامية، تحريك جواسيسهم داخل البلاد العربية لمقاومة نهضة العرب».
العرب كانوا يسعون إلى ممارسة حياتهم وحريتهم في بلدانهم، ونقل المعلم حقائق مفزعة عن نظرة الأتراك فقال عن مصدرين: «إن المصلحة تقضي على حكومة الأستانة بإكراه السوريين على ترك أوطانهم.. ولا يزال العرب يلهجون بلغتهم وهم يجهلون اللغة التركية جهلاً تاماً، كأنهم ليسوا تحت حكم الأتراك، إن من واجب الباب العالي في هذه الحال أن ينسيهم لغتهم ويجبرهم على تعلم لغة الأمة التي تحكمهم».
الاتفاقات السرية
يعرض المعلم لمجمل الوضع قبل الحرب العالمية الأولى، والعلاقات التي كانت تسود بين بريطانيا وفرنسا والدولة العثمانية، وخاصة ما يخص الدخول في الحرب معهما أو مع ألمانيا، أو في الوقوف على الحياد، وهنا شرعت الاتصالات البريطانية مع العرب، لعقد اتفاق، أطلق عليه فيما بعد اتفاق حسين- مكماهون، وكان الاتصال الأول في أيلول 1914، إلى أن أنجز اتفاق بين القوي المراوغ والضعيف المستسلم 1916، على حين كانت الاتفاقات السرية تجري بين الدول المتحاربة، إذ بدأت عملية تقاسم التركة التركية في بطرسبورغ عام 1914، وينقل المؤلف من الوثائق «في شهر شباط 1915 توصل الحلفاء إلى معاهدة بطرسبورغ التي نصت بوضوح على تحديد مناطق نفوذ كل من روسيا وفرنسا وبريطانيا، ثم واصل البريطانيون والفرنسيون اتصالاتهم مع إيطاليا لإقناعها بالانضمام إليهم» ولم تكن هذه الاتفاقية هي الوحيدة السرية، فقد كشفت الوثائق عن اتفاقات بريطانية فرنسية من دون علم روسيا ما دفع روسيا إلى اتخاذ إجراءات مقابلة، لتختتم الاتفاقات السرية باتفاق سايكس- بيكو 9 أيار 1916.
وكان لدخول تركيا الحرب الأثر البالغ في تقسيم المنطقة والسرعة بإنجاز ذلك التقسيم، وعملت السياسة البريطانية الفرنسية على تنفيذ الاتفاقات السرية واسترضاء العرب في الوقت نفسه، فكان دخول تركيا الحرب، ويوم الشهداء، تلا ذلك وعد بلفور المشؤوم، ومع ذلك بقي العرب يمنون أنفسهم بأن تنصفهم الدول الغربية، بينما الدول الغربية وصلت إلى قرار مهم! «الحلفاء بعد الدرس الدقيق اقتنعوا أن أفضل طريقة هي وضع هذه الشعوب في عهدة الأمم الراقية التي ستقوم بهذه المشارفة كتوصية من عصبة الأمم..»!
تتالت بعد ذلك الأحداث، من انتهاء العهد الفيصلي الذي جاء بعد الثورة العربية الكبرى، ومن ثم مجيء غورو وإنذاره ودخول القوات الفرنسية إلى دمشق، في الكتاب مجريات الأحداث ونص اتفاق غورو، وما قامت به الحكومة من إجراءات أثبتت على أرض الواقع أن الغاية ليست الإنذار بقدر ما هي تنفيذ الاتفاقات السرية الخاصة بالمنطقة العربية، وسورية تحديداً..
ويلفت الانتباه أن المعلم يورد بعد كل فصل وجهة نظره الخاصة، وهي ليست وجهة نظر وجدانية، بقدر ما هي وجهة نظر علمية ناقدة، وما ورد في ص 141 يقف في وجهة نظره مع معركة ميسلون وإنذار غورو ليقدم شهادة مهمة أمام من اتهم العظمة بأنه متهور «عندما يفقد الوطن روح المقاومة لدى أفراده فعلى هذا الوطن السلام. إن ما فعله يوسف العظمة وإخوانه في يوم ميسلون الخالد سيبقى صفحة مضيئة لكل الأجيال، فالتاريخ أولاً وأخيراً موقف». فبعد سرد التاريخ لابد من وضع وجهة النظر التي لأجلها كانت الدراسة التاريخية، ولأجلها كان هذا التوثيق، لنستفيد من التجارب السابقة.
الحياة الاجتماعية والسياسية
قد يتبادر إلى الأذهان أن سورية عندما غادرها الأتراك كانت هامدة، ومن هنا تأتي أهمية الفصل الرابع الذي صاغه المعلم بحرفية عالية، فتناول الواقع السوري بكونه يتمتع بالوحدة الوطنية الضاجة بالحياة الاجتماعية والسياسية، لذلك عمل الاستعمار الفرنسي وسلطة الانتداب على مجموعة من الإجراءات التي يجهل الكثيرون وقوعها، ومنها محاولات حكومة الانتداب تقسيم سورية ومحافظاتها إلى دول عديدة مثل مقاطعة العلويين ودولة الدروز ودولة حلب ودولة دمشق، وفي الوقت نفسه سلخ اللواء، وإلغاء النشاط السياسي في الوقت الذي كانت سورية تمور بالنشاط السياسي، فالأحزاب عديدة مثل حزب الاستقلال وحزب الاتحاد السوري، وفي مرحلة لاحقة حزب الشعب وحزب الوحدة وحزب الاستقلال، وثمة إشارة تلفت انتباه الإعلاميين، وذلك بوجود صحافة سورية نشطة بين صحف ومجلات في كل من دمشق وحلب واللاذقية وحمص، وكلها صحافة راقية ومهمة، وتمثل مركزية في منطقتها من دون أن تكون كما هي الحال فيما بعد لصحيفة أم في العاصمة دمشق.
مقاومة الانتداب
خصص المعلم الفصل الخامس لعنوان صفحات خالدة، وفيه استذكر حركة المقاومة السورية ضد المستعمر الفرنسي، فاستعرض ثورات العلي وهنانو والأطرش، والغوطة، ودوّن أهم المعارك التي سجلت انتصارات إرادة المقاومة لدى السوريين الذين لم يهدؤوا منذ دخول المحتل الفرنسي، وحتى تم طرده من الأرض السورية والحصول على الاستقلال، ولعل أهم ما قدمه في وجهة نظره التي دونها رصد الثورات وعفويتها وعدم قدرتها على إجبار المعتدي على ترك البلاد، حتى جاءت الثورة السورية الكبرى، وهو في وجهة نظره يوضح الأسباب التي جعلتها ثورة كبرى، والتي جعلتها أم الثورات، والتي جعلتها فاعلة، فقد استفاد السوريون من تجاربهم الثورية، ابتداء من ثورة العلي التي بدأت قبل دخول الفرنسيين إلى دمشق، وحتى آخر معارك الغوطة «تميزت بوضوح أهدافها والدعوة لتحقيق وحدة البلاد واستقلالها، بدأت انطلاقة قوية هددت الوجود الفرنسي في سورية بصورة فعلية جميع الذين ثاروا ضد الفرنسيين سجلوا صفحات خالدة في تاريخ الوطن، وكان لثوراتهم نتائج خطت بالبلاد خطوة أولى نحو وحدتها واستقلالها.
ويستمر في رصد الحركة السياسية والمقاومة في الداخل، وما يجري في الخارج وفي أروقة الأمم المتحدة، وفيما بين دول العالم الكبيرة من اتفاقات، فكانت الحرب العالمية الأولى وما تمخض عنها وراء التقسيم والانتداب، وجاءت الحرب العالمية الثانية لتحقق معادلات جديدة، ووصول نخب سياسية أخرى إلى سدة الحكم في فرنسا والعالم، وظهرت الديغولية، وانتهت الحرب بانتصار فرنسا وبريطانيا، ويبرز فكر المعلم السياسي في الحديث عن الجلاء، الذي كان للمقاومة الدور الأكبر فيه، ولكن السياسة أسهمت في الوصول إلى النتائج التي مهدت لها المقاومة.. «في 10 آب 1945 استسلمت اليابان وانتهت الحرب في أقصى الشرق، وقبل ذلك بشهرين احتفل العالم بإقامة هيئة الأمم المتحدة، ولم يعد أمام البريطانيين والفرنسيين مسوغات مقنعة للبقاء في المشرق العربي، تحت ستار الحفاظ على خطوط المواصلات الاستراتيجية» ومن ثمّ تتالت القرارات والاجتماعات على مستوى الدول الكبرى، وفي الداخل السوري لتكتمل سلسلة الإجراءات السياسية «أنجزت القوات الفرنسية والبريطانية جلاءها عن الأراضي السورية يوم الأربعاء 17 نيسان 1946، فأصدرت الحكومة السورية قراراً باعتبار هذا اليوم عيداً وطنياً للجمهورية العربية السورية باسم عيد الجلاء. وقد جرى إبلاغ مجلس الأمن بذلك في 16 أيار 1946، وثم في 19 تشرين الثاني 1946 انتخاب سورية عضواً غير دائم في مجلس الأمن الدولي. فكانت سورية أول بلد عربي تحرر في آسيا وإفريقيا من دون أي امتياز لأجنبي ومن دون عقد دينية أو طائفية أو إقليمية» هكذا كان طريق الحرية كما رصده ووثقه وليد المعلم في كتابه، واللافت آخر عبارة في الكتاب قبل الوثائق الفنية التي ميزت الكتاب عن غيره من الكتب المماثلة آخر عبارة تحدثت عن «دون عقد طائفية أو دينية أو إقليمية) فأين كان ما حدث لسورية اليوم؟
كتاب من الأهمية بمكان، ويحسن بنا أن نعود إليه لقراءة ذاتنا في فجر الحرية، لعلنا نحافظ على حريتنا.