جنيف.. معادلة توازن
| مازن بلال
أصبح بإمكان المبعوث الدولي لسورية، ستيفان دي ميستورا، أن يرى مفاوضات جنيف ضمن صياغة مختلفة، فبعد مباحثات أستانا هناك توازن جديد يتفوق فيه التفاهم الإقليمي على أي تناقض آخر، إضافة إلى أن «تثبيت» وقف إطلاق النار يتيح هدوءاً على مستوى الحوار بين الوفود، ورغم ذلك فإن التفاوض في جنيف يبحث عن سيناريو لا يقوم على التوافق بين الوفود السورية، بل أيضاً على استكمال الرؤية التي تجمع كلا من روسيا وإيران وتركيا على بنية الشرق الأوسط القادم.
مسار جنيف أصبح يعتمد على «هشاشة» أي توافق سوري، فالمؤشرات في الأستانا قدمت تصورا بأن سورية يمكن أن تصبح نقطة ارتكاز لعلاقات الكتلتين الأكبر في المنطقة، ومنها أيضاً يمكن لكل من إيران وتركيا إعادة رسم علاقاتهما مع الولايات المتحدة في مرحلة إدارة ترامب، فكل التعقيدات التي غلفت الأزمة السورية أصبحت اليوم على سطح خطوط التحالف القادم الذي يبدو أنه سيجمع الحزام الأوراسي من طهران إلى أنقرة، ويكون منطقة أمان خاصة لعمق آسيا وفق التصور الروسي.
عمليا فإن أخطر ما حدث في الأستانا هو اعتماد صورة لسورية لا علاقة لها بتكوينها الذي ظهر عشية الاستقلال؛ حيث يمكن تمييز ثلاث نقاط أساسية:
– الأولى أن المباحثات كانت تتعامل مع سورية خارج أي محيط خاص بها، فهي جغرافية معنية فقط بالحفاظ على التوازن ضمن الحزام الأوراسي الجنوبي، وهي أيضاً ضمن هوية لا تنتمي لمكونات الدول الثلاث الراعية للأستانا ولا للنظام العربي المنهار أصلا.
– الثانية صرامة النظر إلى الحدث السوري، فعندما ينطلق الحل من البحث عن دستور سوري يجمع المكونات فإن النتائج اللاحقة لا تنتمي أصلا لطبيعة البنية السورية، وهذا الأمر يتناقض عملياً مع تاريخ سورية الحديث الذي انطلق عملياً ضمن توافق داخلي «وجودي» إن صح التعبير، وكان يحاول استباق المخططات الدولية عشية انهيار السلطنة العثمانية، في حين أظهرت الأستانا تصورا مختلفا للمكون السوري عموما.
– النقطة الثالثة بناء الحل السوري على مساحة ضيقة من العلاقات الإقليمية، فحتى الآن لم يتم البحث في الحرب الدائرة في الجنوب، وتحديدا بين حوران والجولان، ويبدو أن هذا القطاع من الأزمة السورية يمتلك حساسية نتيجة علاقة «إسرائيل» مع بعض الفصائل المسلحة.
السؤال الذي يدور اليوم ليس عن نجاح الأستانا أو فشلها، بل عن طبيعة الحل القادم في جنيف في ظل هذه المعادلة الإقليمية المستجدة، وتوجه ممثلين عن المعارضة السورية إلى موسكو يشكل بداية لانعقاد جنيف على أرضية مختلفة نوعيا، لأن الحسم السياسي للأزمة السورية أصبح ضمن نطاق آخر، حيث عليها أن تضمن استقرارا يوفر علاقات بين الدول الضامنة للأستانا وذلك بغض النظر عن أي تفاصيل أخرى.