سورية

اعتبر أن التحالف تحول إلى «نكتة».. وأكد أنه لن تبقى دولة واحدة بمنأى عن خطر الإرهاب…خبير أمني مصري: حل الأزمة السورية سيكون مفتاحاً لحل الكثير من أزمات المنطقة

هناك مساحات مشتركة واسعة بين الموقفين المصري والروسي تؤهل مصر لدور فاعل في حل الأزمة السورية

القاهرة – فارس رياض الجيرودي : 

اعتبر الخبير الأمني والاستراتيجي ومدير المركز الوطني للدراسات الأمنية العميد خالد عكاشة، أنه لن تكون هناك دولة عربية واحدة بمنأى عن مواجهة الخطر الناتج عن تنامي المجموعات الإرهابية خلال الفترة القادمة، ورأى أن حل الأزمة في سورية سيكون مفتاحاً لحل الكثير من أزمات المنطقة. وأعرب عكاشة أن التحالف الدولي العربي لمحاربة داعش «تحول إلى ما يشبه نكتة، فهل يعقل أن تحالفاً يضم 40 دولة على رأسهم الولايات المتحدة وأكثر من دولة أوروبية ذات إمكانيات عالية، يعجز عن تحقيق أي نجاح عملي في مواجهة تنظيم إرهابي».
وفي حوار مع «الوطن» رأى عكاشة، أن الأداء الأمني العربي في مواجهة الإرهاب «ما زال قاصراً، فالمجموعات الإرهابية استثمرت التناقضات العربية من أجل إيجاد ملاذات آمنة داخل البلدان العربية مثل سورية والعراق وليبيا وسيناء المصرية».
وأضاف: «هذا التطور الذي طرأ خلال السنوات الأخيرة شكل نقلة نوعية مهمة في تاريخ التنظيمات الإرهابية التي لم تكن في نسختها السابقة والمسماة القاعدة تجد أي موطئ قدم داخل حدود العالم العربي، وهذا برأيي الشخصي التطور الأخطر الذي سيظل يهدد الأمن القومي العربي خلال السنوات المقبلة».
وانتقد عكاشة التحالف الدولي العربي الذي شكلته الولايات المتحدة الأميركية لمحاربة داعش «لعدم وجود آليات لاستراتيجية حقيقية على الأرض وضعتها هذه الدول التي شاركت في التحالف من أجل مواجهة الإرهاب في المنطقة»، مشدداً على أنه «ليس من المنطقي تهميش الدور السوري في مواجهة هذا التنظيم، كما أنه ليس من المنطقي إعلان الحرب على تنظيم إرهابي معين واستثناء باقي التنظيمات».
وأضاف: «واضح بعد مرور نحو عام على إعلان هذا التحالف أن الرؤية المصرية ثبت صوابها، إذ تحول التحالف إلى ما يشبه نكتة، فهل يعقل أن تحالفاً يضم 40 دولة على رأسهم الولايات المتحدة وأكثر من دولة أوروبية ذات إمكانيات عالية، يعجز عن تحقيق أي نجاح عملي في مواجهة تنظيم إرهابي، بل إن هذا الإعلان عن هذا التحالف أصبح وكأنه إيذان ببدء مرحلة تطور داعش وتوسعه، بدل أن يكون إيذاناً بتقلصه والقضاء عليه».
ورأى أن الاستراتيجية المعلنة من أميركا لمواجهة الإرهاب هي استراتيجية مطاطة وتفتقر للجدية، وإسراع أميركا للإعلان عن تحالف لمواجهة داعش، كان لأهداف دعائية. وأضاف: «هناك سؤال حقيقي بدأ يطرح بقوة في الإعلام الأميركي حول إذا ما كانت الإدارة الأميركية تكافح الإرهاب أم تدعمه».
وأعرب عكاشة عن اعتقاده بأن تركيا تلعب الدور الأبرز من بين الدول التي تمول وتدرب وتدعم الإرهابيين، «فالدلائل على الأرض تشير إلى أن تنظيم داعش يعمل بإدارة الاستخبارات التركية، ويبدو كما لو أن هذا التنظيم صمم خصيصاً من أجل تدمير الوطن السوري بإدارة تركية من وراء الستار».
واعتبر عكاشة، أن الضربة التي تلقاها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه في الانتخابات البرلمانية الأخيرة تعود بنسبة كبيرة إلى الامتعاض الشعبي التركي من الوجود المريب للعناصر الإرهابية على الأرض التركية، ومن دور بلادهم الواضح في دعم أخطر التنظيمات الإرهابية في المنطقة والعالم، وقد جرى التعبير عن هذا الرفض الشعبي في صناديق الاقتراع، من خلال سحب الأغلبية البرلمانية من يد حزب العدالة والتنمية.
لكن عكاشة، رأى أن أردوغان وحزبه ما زالا حتى اللحظة الراهنة يمتلكان قبضة حديدية تدير الأجهزة التركية التي تمارس العلاقة مع التنظيمات الإرهابية العاملة على الأرض السورية سواء داعش أم جبهة النصرة أم جيش الفتح الذي أعلن عنه مؤخراً، وإذا لم تؤد الانتخابات الأخيرة إلى إحداث تغيير جذري في توزيع مراكز القوة داخل مؤسسات الأمن والجيش التركيين فلن نشهد تغييراً في الموقف التركي على المدى المنظور. ووصف عكاشة المشهد السوري بأنه «بالغ التعقيد»، معتبراً أنه إذا وجدت المنطقة طريقاً لحل الأزمة في سورية فسيكون ذلك مفتاحاً لحل الكثير من أزمات المنطقة، والجماعات الإرهابية التي دفعت دفعاً من الخارج إلى الداخل السوري هي التي خلقت هذا الواقع المعقد».
ورأى أن الرؤية الرسمية المصرية لحل الأزمة السورية هي الرؤية الأكثر تماسكاً وواقعية، «فالحل في سورية يجب أن يسير على مسارين متلازمين، الأول: مفاوضات سياسية بين النظام والأطراف التي تسمي نفسها بالمعارضة الوطنية للوصول إلى تسوية، في حين المسار الثاني يتمثل بمساعدة الجيش والأمن السوريين كمؤسستين وطنيتين من دول الإقليم الحريصة على أمن المنطقة في مواجهة التنظيمات الإرهابية، وأعتقد أن مؤسستي الأمن والجيش في سورية قادرتان كما أثبت تاريخهما على مجابهة التنظيمات الإرهابية وعلى خفض مستوى خطرها إلى الحد الأدنى وذلك شرط إيقاف الدعم المالي والتسليحي الذي يتدفق على هذه الجماعات في الداخل السوري».
وأشار عكاشة إلى أن المعلومات المتوافرة لديه أن هنالك بالفعل تنسيقاً أمنياً بين البلدين، فالقيادة والأجهزة الأمنية لا تستطيعان تجاهل حقيقة أن كلاً من البلدين يشكل عمقاً استراتيجياً للآخر، وهذا ما استقرت عليه مؤسسات الدولتين الوطنيتين السورية والمصرية في العصر الحديث على الأقل، والقيادة المصرية عكس قيادات عربية أخرى لا تحمل أي عداء للقيادة السورية بل هي تصر على حل في سورية يكون فيه للنظام الحالي الكلمة نظراً لقدرته الفاعلة على الأرض».
واعتبر عكاشة، أن هناك مساحة واسعة من الخلاف بين مصر والسعودية حول الوضع في سورية تحديداً «وهذا ما يتحدث عنه كل المصريين سواء من الرسميين أم من المتخصصين في النواحي الأمنية أمثالي، بل لا نبالغ إن قلنا إن هنالك حالياً بروداً في العلاقة بين مصر والسعودية بسبب الخلافات حول التعاطي مع الأزمة السورية تحديداً، فالقيادة المصرية لا تنظر للوضع السوري من منظور العداء الشخصي ولا تزال تعتبر النظام السوري القيادة الشرعية حتى هذه اللحظة الراهنة، وهنالك مساحات مشتركة واسعة بين الموقفين المصري والروسي تجاه سورية، يؤهل مصر للعب دور فاعل في إيجاد حل للأزمة السورية كوسيط نزيه يمتلك ثقة كل الأطراف، في حين لا تزال السعودية تنظر للوضع في سورية من وجهة نظر ضيقة وتختصر الأزمة بمطلب رحيل النظام».
واعتبر أن «السيناريو الأسوأ المتمثل بانهيار الدولة الوطنية في سورية هو سيناريو خطير ومضر للجميع بدءاً من لبنان والأردن ومنطقة الخليج وصولاً إلى مصر»، وأضاف: «مقارنة بتجربتي المقاتلين العائدين من كل من أفغانستان والبلقان، يبدو الوضع في سورية أشبه بقنبلة موقوتة تهدد بالانفجار في وجه الدول العربية بأسرها، فلا يوجد بلد عربي لم يذهب جزء من مواطنيه للقتال في سورية، ومع امتداد عمر الأزمة وتشكل تنظيمات إرهابية بأعداد كبيرة أصبح من الملح بالنسبة للأمن القومي العربي التعاون مع النظام والجيش السوريين في محاصرة التنظيمات الإرهابية والحد من الخطر أولاً».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن