لماذا يطرح ترامب «المناطق الآمنة» الآن؟
| ميسون يوسف
كان لانعقاد اجتماع أستانا ما هزّ مواقع القوى الدولية والإقليمية التي قادت ونفذت العدوان على سورية منذ ست سنوات وكان من المرتقب والمتوقع أن تبادر تلك القوى للعمل بأي وسيلة للتشويش على نتائج هذا اللقاء الذي لم يكن في توقعهم أن انعقاده ممكن…. ولما تقرر وبات حقيقة لم يكن في توقعهم ما تمخض عنه من نتائج في خدمة المصلحة السورية العليا التي تجسدها مواقف الحكومة السورية التي عبر عنها وفدها في أستانا…. عند كل ذلك استشاط أعداء سورية غيظا فجاءت منهم المواقف المتسارعة خلال ساعات من إعلان البيان الختامي أو إعلان أستانا كما باتت تسميته اختصاراً، والقاضي بتأكيد المسلمات السورية المبدئية أولاً وتثبيت وقف العمليات القتالية وإنشاء آلية مراقبة ومعالجة لها ثانيا.
لقد كان الحضور الأميركي في أستانا كما شاهد الجميع حضورا ضامرا خافتا لا يتناسب مع الحجم الذي احتلته أميركا خلال ربع قرن كانت أميركا تسعى فيه للسيطرة على قرار العالم وإرساء نظام عالمي أحادي القطبية ولكنها في أستانا حضرت بشكل خجول وربما لأسباب مختلفة، ولذلك كانت ردة الفعل الأميركية الأولى بعد أستانا، الإعلان عن نية أميركية لإنشاء مناطق آمنة على الأرض السورية، الأمر الذي توقف عنده المراقبون والمتابعون وخاصة أنه في ظاهره يأتي خلافا لما تعهد به ترامب من التحول إلى قتال داعش والإرهاب وعدم الانشغال بأي أمر آخر في سورية. فلماذا جاء الموقف الأميركي هذا وإلى أين سيؤدي؟ قبل الإجابة نقول إن المناطق الآمنة الجاري الحديث عنها ليست أمرا بسيطا يتم إنشاؤه بحركة أو بجرة قلم بل إنها تتطلب عملا مركبا من قرار سياسي وأداء عسكري ميداني لا بد منه في الانطلاق وعمل عسكري دائم لتعهد أمن المنطقة تلك وهنا يطرح السؤال هل إن ترامب انقلب على تعهداته السابقة وقرر اللجوء إلى التدخل العسكري الأميركي المباشر في سورية من باب ما أسماه المناطق الآمنة؟ كثير من الخبراء يؤكدون أن المنطقة الآمنة التي يتحدث عنه ترامب الآن ليست سهلة الإنشاء وهنا يؤكد هؤلاء الخبراء صحة وعقلانية التحذير الذي أطلقته روسيا والذي نبهت فيه ترامب إلى مغبة توجهه وإلى أن الأمور لا يمكن أن تجري على الوجهة التي يحلم بها فالأمر أكثر تعقيداً مما يعتقد.
أما سورية فأنها على مواقفها الثابتة منذ البدء وهي ترى أن أي وجود عسكري أجنبي على أراضيها وتحت أي ذريعة أو عنوان إنما هو عدوان يفرض المواجهة ما لم يكن قد تم بقرارها وبالتنسيق معها بشكل كامل.
من جهة أخرى يرى البعض أن التلويح بالمنطقة الآمنة اليوم يبدو أنه ليس أمرا للتنفيذ كما يظهر بل هو أمر لإثبات الوجود الأميركي في الميدان السوري وورقة تفاوضية تمنح أميركا حضوراً أقله سياسي بع ما غابت عن أستانا…. ويبقى السؤال هل يحمل الحديث عن إنشاء مناطق آمنة استشعاراً أميركياً لخطر التفاهمات الدولية الجديدة؟