ثقافة وفن

من وحي رابطة

| د. اسكندر لوقا 

قبل بعض الوقت، شهدت مدينة ليون في فرنسا، احتفالاً بولادة الرابطة الاجتماعية الثقافية الفرنسية السورية، وذلك بغية جمع شمل السوريين المقيمين في المدينة، أسسها ورأسها الأخ العزيز الأستاذ جاد بوز، فضلاً عن الغاية التي ترمي إليها الرابطة وهي السعي لجعل الهاجس الوطني دائم الحضور في ذاكرة من اضطرته ظروف الحرب الكونية التي شنت على سورية وما زالت تبعاتها تؤرقه كما تؤرق أهلها على مدى ست سنوات لمغادرة وطنه.
هذه الرابطة السورية التي جاءت ثمرة لاعتبارات وطنية في مقدمها الالتزام بما تعنيه المواطنة، سواء تجلى في حضور المواطن في وطنه أم في خارجه، ذلك لأن الالتزام لا بداية له ولا نهاية، وتحديداً عندما يكون صادقاً وعن قناعة. هكذا هو الإنسان السوري الذي تربطه بوطنه مشاعر لا يمكن أن تضعف بسبب من البعد عنه، نزوحاً مؤقتاً أو هجرة دائمة.
إن نزوح البعض من أبناء الوطن هرباً من الإرهاب، إضافة إلى الضائقة الاقتصادية التي ألمت به وبعائلته، يبقى في دائرة الأمل بالعودة إليه، بعد توقف الحرب وخلو البلد من رجس الإرهاب وداعميه في المنطقة وبعيداً عنها، لأن هاجس العودة إلى رحاب الوطن، لا يمكن أن يمحى مع مرور الوقت، وهذا ما يشهد عليه سجل الهجرة في كتابات وأشعار كبار أدباء المهجر من السوريين على نحو خاص.
وفي تاريخ سورية المعاصر، أمثلة لا تعد ولا تحصى عن سوريين غادروا وطنهم ولكنه بقي حاضراً في ذاكرتهم حتى رحيلهم عن دنياهم، منذ أن كان الاستعمار العثماني عدو الوطنيين من أبناء الوطن، وصولاً إلى الاستعمار الفرنسي الذي لم يكن أقل عداء من العثمانيين لأمثال هؤلاء الوطنيين من أبناء سورية. ولا نعتقد أن جهد الرابطة السورية في مدينة ليون الفرنسية يمكن أن يذهب هباء لأن الكلمة الصادقة التي تشكل منهج عملها من المؤكد أنها سوف تسهم في توضيح حقيقة ما يجري في سورية بدعم من أعداء التاريخ والحضارة، ومن بينهم، مع الأسف فرنسا التي خبرت صلابة سورية في بدايات القرن العشرين ولم تتمكن من قهر أبنائها المؤمنين بأن الموقف الوطني، أينما كان السوري، يبقى شعاره.
فهنيئاً للرابطة السورية العتيدة في مدينة ليون الفرنسية مع الأمل بأن يبرهن السوريون في أماكن وجودهم كافة وبأشكال وأساليب تبرهن على التزامهم بوطنيتهم مهما كانوا بعيدين عن أرض الوطن.
في السياق عينه، أذكر قولاً للقائد الراحل الرئيس حافظ الأسد يخاطب وفداً من المغتربين يوم استقبالهم: لئن كنتم بعيدين عنا مكاناً فأنتم قريبون منا مكانة.
وأيضاً قرأت مؤخراً لحفيدتي دانا المقيمة في كندا تخاطبني في رسالة: لقد غادرت سورية لكن سورية لم ولا تغادرني، وكما أبعدتنا الحرب عنها مكرهين فسنعود إليها قريباً إن شاء الله.
هكذا يكون السوري- الوطني أينما وجد ومهما كان بعيداً عن وطنه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن