ترامب العالق بين الجدار والمناطق!
| بيروت – محمد عبيد
ما الذي دفع الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب إلى طرح موضوع إقامة «مناطق آمنة» في سورية في هذا التوقيت، وما هو مفهومه لهذه المناطق، كذلك ما هو الهدف منها وأيضاً ما هي المقاربة الإستراتيجية التي وضعتها الولايات المتحدة الأميركية للتعاطي مع الأزمة في سورية والتي تستوجب الإسراع في إقامة هذه المناطق؟
أسئلة كثيرة وغيرها أثارتها هذه الاندفاعة «الترامبية» من خارج سياق عناوين حملته الانتخابية ومن دون مقدمات سياسية مبنية على تفاهمات مُنجَزة مع اللاعب الدولي الأبرز على الساحة السورية: روسيا، كما مع الحليف المفترض والعابث الأسوأ بالوضع السوري: تركيا!
منذ بداية الأزمة في سورية حاولت دول كثيرة وفي مقدمها تركيا ومعها السعودية وقطر وبعض الداعمين الأوروبيين جَرّ إدارة أوباما إلى تبني خيار إقامة مناطق حظر جوي أو مربعات آمنة على الحدود السورية في الاتجاهات كافة، لكن هذه الإدارة التي اعتمدت سياسية الانكفاء السلبي وفق توصيف حلفائها في المنطقة وخيار اللاقرار وفق معطيات المؤسستين العسكرية والأمنية الأميركية، أدركت أن الساحة السورية لن تكون ملعبها الآمن وأن التورط فيها سيقدم فرصة ذهبية لأعدائها في محور المقاومة كي ينالوا مما تبقى من هيبتها الإقليمية بعد الانسحاب المشهود من العراق والفشل المكشوف في تحويل ما سمي «الربيع العربي» إلى أنموذج يحتذى به لنشر الديمقراطية والترويج لها، وليبيا أصدق مِثال. إضافة إلى أن تورطها هذا سيُمَكِن حلفاءها وعلى رأسهم تركيا من تحقيق أطماعهم في التمدد إقليمياً على حساب قوتها ونفوذها مع مايمكن أن يتبع ذلك من تهديد لمصالح واشنطن القائمة منذ عشرات السنين على أساسٍ من التوازنات الدقيقة التي لا تحتمل المغامرة، ناهيك عن حكومة الكيان الإسرائيلي التي كانت تنتظر أن تنزلق إدارة أوباما إلى الغرق في هذا الأتون كي تفرض عليها أجندتها التي تبدأ بضرب إيران ولا تنتهي بمحاولة سحق قوى المقاومة في غزة والجنوب اللبناني والجولان المحتل.
اليوم وبعد مرور أكثر من خمس سنوات على بدء الحملة العسكرية والسياسية والإعلامية لإسقاط سورية، يبدو أن دعوة ترامب تفتقد إلى قراءة واقعية للمعطيات السياسية كما الميدانية التي تكونت خلال هذه السنوات والتي أنهت مفاعيل هذه الحملة وأسست لتوازنات جديدة على المستويين الدولي والإقليمي. ولعل أبرز المعطيات السياسية هو نجاح المحور الدولي (روسيا والصين) الداعم لسورية في الإمساك بدفة القيادة من خلال منع بعض أعضاء مجلس الأمن الدولي من الانقضاض على سورية وتحويلها إلى مشاعٍ دولي سائب كما حصل مع ليبيا، كذلك نجاح المحور الإقليمي (إيران وقوى المقاومة) الداعم لها أيضاً في توسيع مروحة التضامن والمؤازرة العربية والإسلامية مما حَدَّ من إمكانية تحويل هذه الأزمة إلى منصة لتكريس الانقسام المذهبي والطائفي الذي تنشده وتسعى إليه بقوة دول وقوى إقليمية متطرفة كالنظامين السعودي والتركي والكيان الإسرائيلي.
أما على الصعيد الميداني، فإن دعوة ترامب المتأخرة أربع سنوات على الأقل تصطدم بوقائع تم تثبيتها على مختلف الحدود وخصوصاً منها السورية – التركية التي تحولت مؤخراً إلى ساحة تصفية حسابات سعودية – قطرية من جهة وتركية من جهة أخرى بعد اقتراب أنقرة من مقاربات الثنائي الروسي – الإيراني حول سورية خاصة بعد اجتماع أستانا، وبالتالي فإن الحاجة باتت ملحة أكثر لإيجاد مناطق آمنة تقي المدنيين الأبرياء مطحنة القتل والإجرام بين فصائل المسلحين الإرهابيين! أما الحدود السورية – اللبنانية فقد باتت خارج إمكانية الاستخدام الأميركي أو الإرهابي بعد إمساك الجيش اللبناني والمقاومة معه بشريطها كاملاً، وقد يكون الأمر مماثلاً نسبياً على الحدود من الجهة العراقية بعد السيطرة شبه التامة للحشد الشعبي المندفع لملاحقة فلول المجموعات الإرهابية التكفيرية داخل أراضي سورية بالتعاون مع حكومتها، مما يُبقي الحدود السورية – الأردنية ساحة وحيدة محتملة لهكذا دعوة.
ربما سينجح ترامب في بناء جدار عازل على حدود بلاده مع المكسيك دون حصول تداعيات دراماتيكية تؤكد صحة رؤيته حول ترابط الأمن والهجرة فالأمر بين دولتين فقط. ولكن هل يمكنه تحقيق رؤيته هذه في ساحة تجنب التورط فيها سلفه خوفاً من تداعيات هذا التورط على الداخل الأميركي خاصة، فكيف به وهذا الداخل يضج رفضاً لوصول ترامب إلى البيت الأبيض.