الحل السياسي في سورية: إلى التنفيذ!
| د.بسام أبو عبد الله
لقد قالها الغرب بوضوح شديد (ما بعد حلب) غير ما قبلها، وأن من يحسم معركة (حلب) سيغير ميزان القوى الإستراتيجي لمصلحته بشكل جذري، وهو ما حدث بوضوح شديد لتدفع موسكو الجميع إلى طاولة التفاوض، والحديث في الحل السياسي، الذي لن يخرج عن خريطة الطريق التي جرى الحديث عنها بوضوح شديد:
1- حكومة وحدة وطنية موسعة.
2- الإعداد لدستور جديد- يُستفتى الشعب السوري عليه.
3- إجراء انتخابات برلمانية استناداً لهذا الدستور.
4- ثم انتخابات رئاسية…
يبدو واضحاً أن اجتماعات أستنة كان لها هدف واضح، وهو تثبيت وقف الأعمال القتالية، ووضع آلية لمراقبة ذلك، إضافة إلى فرز المجموعات المسلحة إلى من يقبل منها الحل السياسي، ومن يرفض هذا الحل، الأمر الذي ظهر بوضوح شديد من خلال اضمحلال جماعات الأستنة واختبائها تحت جناح ما يسمى (حركة أحرار الشام)، وجماعة النصرة التي انضمت إليها تيارات جديدة تحت اسم جديد (هيئة تحرير الشام) [أعان الله الشام على هؤلاء المنافقين]، وبالتالي فإن أكبر جماعتين إرهابيتين في إدلب لا تقبل الحل السياسي، وهو ما سوف يريح الساحة من محاولات التضليل التي استمرت طويلاً للحديث عن (جيش حر) و(معارضة مسلحة معتدلة)، وغير ذلك من المصطلحات الكاذبة- والفارغة.
أما ما يخص المعارضة السياسية فإنه يبدو واضحاً أنه سيجري تشكيلها بالقوة شاء البعض أم أبى! فما يسمى الهيئة العليا للتفاوض (أي معارضة السعودية) سوف تمثل كغيرها في وفد واحد لهذه المعارضة إلى مؤتمر جنيف، وهو ما سوف يُنهي حصرية التمثيل الذي احتكره هؤلاء من الرياض، وكلام ستيفان ديمستورا قبل أيام يوضح هذا الأمر حين قال: [في حال عدم تحديد المعارضة أسماء وفدها الموحد حتى تاريخ 8/2/2017 سأضطر للجوء للتدابير التي لم أطبقها سابقاً بموجب القرار (2254) أي الحق في اختيار الوفد بنفسي لضمان القدر الأكبر من تمثيل وفود المعارضة بما في ذلك ضمان مشاركة النساء]، وهذه رسالة واضحة لأولئك الذين مازالوا يجادلون في موضوع احتكار حق تمثيل هذه المعارضة، التي بأساسها خضعت لمصالح قوى إقليمية (السعودية- قطر- تركيا)، وليس لمصالح وطنية سورية، كما أن كلام السيد ديمستورا يعكس التوافق داخل مجلس الأمن الدولي حول الدفع باتجاه الحل السياسي.
تقديري أن وفد هذه المعارضة سوف يشمل [معارضة الداخل- مجموعات مسلحة- منصة موسكو- منصة القاهرة- الائتلاف- هيئة عليا للتفاوض (السعودية)] على أن يجري الاتفاق على جدول أعمال واضح لخريطة طريق الحل السياسي بما في ذلك موضوع كتابة الدستور الجديد بهدف دفع الأطراف نحو حوار جدي- واقعي قابل للتنفيذ يأخذ بعين الاعتبار الفرق الشاسع بين الأوهام- والأكاذيب، والشعارات المنافقة، وبين الواقع الجديد الذي أفرزه الميدان، والمتغيرات الإقليمية- والدولية، وصمود وثبات الدولة السورية، والشعب السوري.
إن الحديث عن الحل السياسي يختلف من طرف لآخر، فالدولة السورية طرحت منذ سنوات خريطة الحل (عودوا إلى خطاب الرئيس الأسد في 6/1/2013) القائم على واقعية سياسية، وفهم عميق، ومنطق سياسي سليم، في حين أن الأطراف الأخرى المتآمرة جندت سوريين تحت لافتة (معارضة سياسية) للوصول إلى تحقيق مصالحها الخاصة، وليس مصلحة الشعب السوري الذي يتبارى الجميع على الحديث باسمه من دون أن يتجرأ أحد على استفتاء رأيه.
ما من شك أن الكثير من المتغيرات السياسية قد حدثت ليس نتيجة هزيمة المشروع المعادي لسورية فقط، بل نتيجة ارتدادات هذه الهزيمة، وكوارث السياسات الغربية على صانعيها، ولننظر فقط إلى هذه المتغيرات:
1- سياسات ترامب الجديدة (وقف الهجرة- محاربة الإرهاب- تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كتنظيم إرهابي- العلاقة مع أوروبا- العلاقة مع روسيا- الرؤية الجديدة حول أميركا المستقبل- أولويات أميركا الجديدة تجاه الصين- التخلي عن سياسات قلب الأنظمة….) كل ذلك جعل اهتمامات العالم في واد آخر، وتركيز حلف التآمر على سورية في اتجاهات أخرى.
2- خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، والبحث عن دور جديد لها خارج المنظومة الأوروبية، وخلق تحالفات جديدة، وتغير مواقفها تجاه ما يجري في سورية (تصريحات وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون حول الواقعية في التعاطي معه الرئيس الأسد).
3- الاضطراب في السياسة ا لفرنسية، والانشغال بالانتخابات الرئاسية الفرنسية، وتأكيد المرشحين الجدد فشل سياسات فرنسا السابقة.
4- بروز الدور الروسي على الساحة الدولية انطلاقاً من سورية، وعدم إمكانية إقصاء روسيا كقوة عظمى ضرورية لتحقيق الاستقرار وإيجاد الحلول بما في ذلك (الحل السياسي السوري).
5- التحولات في السياسة التركية التي أدركت عقم سياساتها السابقة وارتدادها على الداخل التركي، والتناقض بين تركيا، والغرب بشأن المسألة الكردية، والبحث عن مكاسب عبر روسيا- وإيران قبل فقدان كل شيء…
6- اضمحلال الدور الخليجي، وخاصة السعودية التي بدأت تبحث عن حلول وتسويات عبر أطراف أخرى نتيجة السقوط المريع لسياساتها الحمقاء وتدهور وضعها المالي (الذي شكل الذراع الضاربة لنفوذها)، إضافة لغرقها في المستنقع اليمني، وسقوط خطابها المذهبي- العفن… وانتشار المزيد من الوعي نتيجة الدمار الذي تسبب به، مع تغيرات واضحة من مصر ودعمها للحل السياسي.
إذا قرأنا كل هذه المتغيرات السريعة، والواضحة فإننا ندرك أن قطار الحل السياسي في سورية قد وضع على السكة، وأن من يقرأ المعادلات الداخلية السورية (نجاح المصالحات الوطنية- انتصارات الجيش العربي السوري- تغير المزاج الشعبي بشكل واسع) إضافة للمعادلات الخارجية التي تغيرت، يمكن أن يفهم أن الأمور سوف تسير نحو التسوية، والحل السياسي، وأننا مقبلون على معركة سياسية جديدة تستند إلى الحجة، والمنطق، والمصلحة الوطنية العليا، وعلينا تحضير أنفسنا، ورأينا العام لهذه المرحلة الجديدة التي نحتاج فيها إلى كل الوطنيين السوريين، وإلى الحكمة، ورجال الدولة الحقيقيين الذين يمتلكون رؤية، وفهماً عميقاً للتحولات الجارية في سورية، والعالم.