حرب الموتى الأحياء
| حسن م. يوسف
في لقائنا الأخير أبلغني الفنان القدير عباس النوري أنه شاهد على إحدى الأقنية السعودية المتخصصة بالسينما الأميركية في سهرة الثلاثاء الماضي فيلماً مقلقاً بعنوان «الحرب العالمية Z» ونظراً لأنني أثق بحصافة ووطنية الصديق عباس، فقد بحثت عن الفيلم وقمت بتنزيله عن الانترنت وشاهدته، وقد شكل لي الفيلم صدمة لدرجة أجد فيها نفسي الآن غير قادر على تناول أي موضوع آخر سواه.
أول ما استوقفني في الفيلم اسمه «الحرب العالمية Z»، صحيح أن الاسم يوحي للوهلة الأولى أن المقصود به هو «الحرب العالمية للأموات الأحياء» فـ« Z» هو الحرف الأول في كلمة Zombie إلا أنه الحرف الأخير في الأبجدية اللاتينية وهو يستخدم بمعنى «الأخير» على النحو نفسه عندما نقول من الألف إلى الياء، وهذا يضعنا أمام مشروع عنوان آخر هو «الحرب العالمية الأخيرة».
يجتاح العالم مرض فيروسي غامض يتحول المصاب به إلى آلة لقتل كل الأصحاء الذين يحيطون به إلا أن الضحايا تنهض بعد أن تموت وتتحول إلى كائنات مسعورة، تشبه من قتلوها وتنضم إليهم في الهجوم على بقية الأصحاء.
يقتل الرئيس الأميركي ونائبه ويتم اجتياح العاصمة، وتجتمع بقايا الدولة على متن حاملة طائرات، حيث يتقرر تشكيل بعثة علمية يرأسها جيري لين -براد بت- وهو رب أسرة ومحقق سابق في الأمم المتحدة، مهمتها البحث عن مصدر الفيروس كي يدرسه العلماء على أمل أن يعثروا على دواء ناجع ينقذ البشرية من الدمار المحقق. في أحد سجون كوريا الجنوبية يلتقي جيري بعميل للمخابرات الأميركية ويبلغه أن «الإسرائيليين» يربحون الآن لأنهم طوقوا (بلدهم) بأكمله بجدار قبل هجوم الموتى الأحياء بأيام.
ينتقل جيري لين إلى (إسرائيل) فيبلغه رجل الموساد صاحب فكرة جدار الفصل العنصري، بأنهم اعترضوا بياناً من جنرال هندي يقول إنهم يقاتلون «راكشاشا» وهذه كلمة تعني الموتى الأحياء. في تلك الأثناء يُخترق السور بموجات الموتى الأحياء فيهرب جيري بمساعدة مجندة إسرائيلية ويتمكن من الوصول إلى مركز تابع لمنظمة الصحة العالمية في سويسرا.
يظهر الفيلم إسرائيل بوصفها أول (دولة) تنتبه لخطر الفيروس ويبرر للصهاينة بناء جدار الفصل العنصري أخلاقياً وسياسياً وإنسانياً لإنقاذ (شعبهم) من وحوش الزومبي المحيطين بهم ومن يكون هؤلاء سوانا نحن العرب؟
يندرج هذا الفيلم ضمن فئة الكارثة والرعب وهو من إخراج مارك فورستر وسيناريو ماثيو مايكل كارناهان، عن رواية بالعنوان نفسه للكاتب الشاب ماكس بروكس ابن الممثل اليهودي الشهير ميل بروكس. الخطير في هذا الفيلم هو أنه متين درامياً على العكس من كل أفلام الزومبي التافهة التي يصنعها ذوو الخيال المريض وهو منفذ بتقنيات مدهشة بغية تمرير فكرة (اليهودي الطيب منقذ العالم) وتكريسها عالمياً.
في آخر الفيلم يلقح جيري نفسه بجرثومة مرض ما فلا يراه الموتى الأحياء. وكأني بصانع الفيلم يدعو المجتمعات الغربية لأن ترد على التطرف القادم من العالم الثالث بإجراءات ردع متطرفة كي لا يتمكن الموتى الأحياء – أي نحن – من اختراق حدودها. الفيلم من إنتاج 2013 ما يجعله بمنزلة تبرير مزدوج لجدار (الفصل العنصري) الذي بناه الصهاينة في فلسطين المحتلة، ولإجراءات الفصل العنصري التي يتخذها ترامب حالياً.