من دفتر الوطن

بساتين وفيافِ..!

| عصام داري 

عشرات المواضيع التي تستدرجني إلى الكتابة عنها، وتستفزني بقوة، لكنني خلال لحظة أتراجع وأبحث عن غيرها لاعتقادي أن كل تلك الأفكار لم تصل إلى حد تحدي الكتابة الذي يستهويني، فأقف في نقطة الصفر المرة تلو الأخرى، وأعود لتدوير أفكار أكثر جنوناً وجنوحاً.
أجد نفسي في بستان واسع الأرجاء، فيه من الأشجار والثمرات ما لذ وطاب، وأتردد: هل أبدأ بعناقيد العنب التي تناديني من عرائشها كأنها ثريات من لؤلؤ وعقيق، أم بشجرة الدراق تلك التي تغمزني وتراودني عن نفسها، كمراهقة لعوب، أم أمضي صوب التفاحة ذات الخد الأحمر الوردي، أم الأجاص والتوت الشامي الذي تنزف دماؤه على أديم الأرض.!.
لكنني بعد هذه الرحلة السريعة في بستان الأبجدية ومساكب الكلام أجد نفسي غير قادر على وضع كلمة البداية لهذه الزاوية التي سأودعها في دفتر «الوطن» لتصل إليكم يا أصدقاء الكلمة والحرف والأفكار.
هذه الحال التي أنا فيها يعرفها كل من حمل القلم وجعله سلاحه ووسيلته للتعبير عن نفسه حيناً، وعن وجع الآخرين أحياناً، وعن هموم ومشاكل الأغلبية الساحقة والمسحوقة في أغلب الأحيان.
أتوق إلى الكتابة عن الحسن والجمال بكل صوره، لكن مخالب القبح والبشاعة من حولي تنغرس في مشاعري فتدميني وتحيلني أشلاء على درب حلم قديم تركني وسافر إلى دفاتر التاريخ.
أحن إلى قصص حب مررت بها، ولا تصدقوا أن الحب يطرق بابكم مرة واحدة في العمر، أنظر من ثقب باب الذكريات فألمح صبايا يتراقصن على أنغام أغنية قديمة سمعناها معاً في ساعات صفاء لم تدم طويلاً، أو يذبن حناناً ورقة مع أغنية رومانسية للعندليب: «كنّا سوا قلبين الحب جمّع شملنا».
فجأة وفي وسط هذه الموجة الساحرة، والرومانسية التي تنشر عبقها وشذاها المسكر، تنتصب الكراهية بأنيابها الحادة، تحاول افتراس الحلم الجميل واقتلاع قلبي العاشق، فهذا عصر البغضاء والأحقاد الدفينة، والأفكار السوداء المنبعثة من أحلك مراحل التاريخ.
ونتأكد مرة جديدة، ربما هي المرة المليون، أننا في حرب لا تتوقف أبداً وهي تسير بالتوازي مع مسيرة العمر، حرب بين الحب والكراهية، حرب بين النظام والفوضى، بين الأمل واليأس، والجمال والقبح، العقل والجنون، باختصار هي حرب بين المتناقضات، بين من يحمل في صدره وقلبه مشاعر وأحاسيس الإنسان، وبين من لا يمتلك القلب والمشاعر والأحاسيس، فصار أقرب للوحوش منه للبشر، بل ربما كانت الوحوش أرحم منه آلاف المرات.
يمر عمرنا بين كل تلك الحروب، وكأننا في حقل ألغام مجبرين على السير فيه إلى نهايته، ليس لنا الخيار، وقد تكون خياراتنا قليلة ونادرة جداً، والمحظوظ من تكون خياراته الأقل سوءاً من سواه، ومن يستطع صنع فرحه الخاص وسط هذا الدمار الذي يحيط به من كل الجهات، والأهم من يجد خلاصه بالحب والتجدد وينحز إلى عالم العشق السرمدي، فسيشعر أنه في جنة غناء، حتى لو كانت الحرائق تحاصره من كل الأماكن.
هل اخترت الثمار من بستان الأبجدية التي أبحث عنها، أم إنني تهت في فيافٍ لا نهايات لها؟.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن