شؤون محلية

قانون جديد للتجارة الداخلية: رقابة وردع عن بعد ومحظورات وعقوبات ومكافآت

عبد الرزاق دياب : 

لم تفلح وزارة التجارة الداخلية في حلحلة الفوضى التي أصابت الأسواق السورية، ولا بالوصول إلى أسعار تناسب دخول مواطنيها الذي حملوا (شاؤوا أم أبوا) وزر هذ الإخفاقات غلاء واحتكاراً وضيق حال، وصار حال السوري السعيد هو أن يؤمن ما يمكن أن يمنعه من مد يد العوز، والنجاة من الغرق في الديون، والغذاء على قد الحال فقط من أجل ألا يسقط أبناؤه منه في الطريق إلى المائدة أو الطبيب، وأما الكماليات والحاجات التي من الممكن توفيها فهي سياسة السوري التقشفية التي من الممكن أن تحميه من سوق منفلتة بلا رقيب أو حسيب.

تعديل… التعديلات
ناقش مجلس الشعب مواد القانون الجديد المعدل، وأجرى تعديلات جديدة على التعديلات قيل إن الغاية منها (تلبية حاجات المواطنين الأساسية من جميع السلع والخدمات بالسعر والجودة المناسبين، ويهدف المشروع إلى تثقيف المستهلك وتوعيته بحقوقه وواجباته ومسؤوليته الاقتصادية، وضَمن القانون للمستهلك ممارسة حقوقه في الاختيار الأنسب للمنتج، وحمايته من الاستغلال والاحتكار، كما يحافظ على الممارسات التجارية السليمة في الأسواق، ويشدد العقوبات والغرامات على المخالفين). وهذا الكلام يعني أن هناك إمعاناً في إدخال العملية التسويقية في سوق مفتوحة تعطي المواطن جميع الخيارات ولكن وسط حالة من الانتقائية ليست على قياسه.
أهداف القانون لم تخرج عن كل الأهداف التي وضعت سابقاً كمقدمات لقوانين أخرى فيها المواطن هو حجر الأساس الذي تقع فوقه كل التبعات، ويتكبد وحده نتائج عدم التنفيذ الصارم لقوانين كهذه، وجميعها كانت تريد مواطناً سعيداً، ورقابة صارمة وعقوبات مشددة، ولكن كانت النتائج دائماً أننا نعد في القوانين القديمة على شكل قانون جديد.
أما أن يتم تثقيف المواطن باعتباره مستهلكاً يعرف حقوقه ومسؤولياته فربما تحتاج إلى جلسات جديدة تقر ما يتعلق بالثقافة الاستهلاكية، وهذه لن تتحقق في سوق فيها الأعذار أكبر من الواقع المعيش، ومن ثم سنضيّع وقتاً جديداً في نقاشات وقوانين تكون حبراً على ورق.

قانون… توافقي
القانون الجيد سيرضي الجميع، فهو يعطي التاجر المسوّغات ليبيع بأسعاره، وتمنح المستهلك المثقف حقه في اختيار السلعة، ورغم التهديد بالعقوبات والإعلان عن الأسعار والحصول على التراخيص إلا أنها تفلته من هذه القبضة بعبارات مثل (مع التقيد بالقواعد الاقتصادية المتعلقة بمبدأ العرض والطلب والمنافسة المشروعة عند بيع المنتج أو عرض الأسعار بما يؤمن حرية الاختيار للمستهلك). وهذا يعني أن السعر المفتوح لا سقف له يمنح التاجر حرية التسعير حسب السلعة ويمنح الفقير حق الاقتراب خجلاً من السلع التي تتناسب مع دخله، والنظر بشغف إلى ما هو فوقه، وما فوقه الجميع.

عن بعد
القانون كما جاء في بعض مواده… (يساهم في ضبط الأسعار إلى حد كبير، كما أنه سيقلص عدد مراقبي التموين من 100 مراقب إلى 5 مراقبين لأن تطبيقه وفق ما هو وارد سيكون رادعاً لكل تاجر أو مستورد أو بائع أو غيره من أن تسول له نفسه العبث بلقمة عيش المواطن أو احتكارها أو تقديم سلعة مخالفة للمواصفات المطلوبة).
قد تكون نعمة هذا القانون أنه أزاح حكاية تدريب الكوادر، وذرائع عدم وجود مراقبين بما يكفي ما يغطي السوق السورية كما كانت تتذرع به وزارة التجارة الداخلية كحجة لانفلاته.
أما العبرة فهي في التنفيذ أي أن قانون ومنها هذا المعدل تحتاج إلى إرادة وقوة، وهذا للأسف لم تحظ به أغلب القوانين لأنها بأساسها هشة أو أن المسؤولين عن تنفيذها يتهاونون في عملهم، وهذا ما لا يمكن ضبطه إلا بزرع ضمائر مراقبة في كل مكان يتم التلاعب به بالمواطن واستغلاله واستغفاله.

محظورات… وروادع
يحظر القانون (على كل من يعمل بالتجارة أن يحجب عن التداول مواد أو سلعاً أياً كان نوعها، أو يرفض التعامل بها بالشروط المألوفة في تجارتها أو صناعتها، أو بنشر أخبار أو إعلانات كاذبة أو مزورة أو أي طرق غير مشروعة، حتى الاشتراك مع جماعة ما بقصد التأثير في الأسعار أو تموين السوق بأي وسيلة كانت، ولا يجوز أن تتسبب في أي حال من الأحوال التغييرات غير الجوهرية في صفة البضاعة أو تدخل الوسطاء والسماسرة والأشخاص الذين لا تسوغ تدخلهم الضرورات التجارية زيادة ما في الأسعار ما لم تكن هذه الزيادة قد اقتضتها النفقات الناجمة عن سبب أو قوة قاهرة وذلك بقرار من الوزير).
مربط الفرس هنا ولا دخل للمواطن إلا في كونه شريكاً تقع عليه تبعات التنفيذ والاختيار، والقوة القاهرة في حالنا دائمة الحضور، وهي الذريعة التي باع فيها التجار زيت الزيتون والبندورة والثوم بأسعار تفوق خيالاتهم، وأعادت فتح باب الاحتكار لكثير منهم لأسباب قاهرة، وهي أكثر السلع توفراً الآن.

العبرة في التنفيذ
القانون أيضاً يكافئ ويغرم في أكثر من مادة، ولا بد من التفاؤل به، ولكيلا نبدو سوداوين فإننا سننتظر التنفيذ، وهو يعني بالضبط سوقاً مفتوحة على السعر والجودة وبرقابة شديدة، ولكن عيب كل هذه القوانين أنها كانت تنفذ بأيدٍ فاسدة، ودائماً ما كانت تجد المؤسسات والوزارات المسؤولة عن تنفذها المسوّغات لعجزها على حين المواطن ينحني، وينحني.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن