«معارضة» تحتاج إلى «إنضاج»
| سامر علي ضاحي
قبل ما يسمى «الربيع العربي» لم يكن أشد المتفائلين بما يسمى المعارضة في المجتمعات العربية يأمل مثلاً بوصول حركة النهضة الإسلامية في تونس إلى السلطة أو حتى الإمساك بأغلبية البرلمان هناك، وحتى المتفائلين بحركة الإخوان المسلمين لم ينشدوا أكثر من خُمس مقاعد البرلمان التي فازت بها خلال انتخابات عام 2005 في مصر وهو الرقم الذي لم تستطع الحركة الحفاظ عليه في انتخابات عام 2010.
وفي سورية لم يكن يجري أي حديث عن وجود معارضة سياسية للسلطة إلا اللهم بعض المغتربين من قيادات الإخوان المبعثرين هنا وهناك في عواصم عربية وغربية لا تتجاوز معارضتهم بعض المقالات التي تنشر في زوايا بعض المواقع الالكترونية حديثة العهد، وكذلك بعض الذين شاركوا في ما سمي يوماً بـ«إعلان دمشق» أي كانت المعارضة عبارة عن شخصيات وليس حركات.
من هنا لم نشهد تنظيراً حقيقياً يشعر الأنظمة السياسية الحاكمة في الدول العربية بمجملها بشعور الخطر السياسي من منافس قادر على المزاحمة في أي انتخابات وحتى تجربة حماس الفريدة في فلسطين سقطت.
لكن وعلى حين غرة انطلقت الاحتجاجات في تونس لتدفع حركة النهضة خلال أشهر قليلة وتجد نفسها وريثة السلطة رغم أنها لم تكن قائدة للاحتجاجات هناك وانسحب الأمر على ركوب الإخوان في مصر على ظهر الثورة التي أوصلتهم إلى سلطة مارسوا فيها الانتقام السياسي أكثر مما مارسوا فيها السياسة ما ساهم بقصر أيام عسلهم وصولاً إلى قيادة الجناح العسكري في مصر ما سمي حينها «إصلاح مسار ثورة يناير» مروراً بالمراحل اللاحقة التي أوصلت الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي إلى السلطة.
وبمقاربة «القضية السورية» يمكن القول إن الأمور وإن ظهرت بداية ، كما يريد البعض، على شكل احتجاجات ومطالب شعبية لكن ما لبثت أن تحولت إلى ما يحلو للمعارضين تسميته «ثورة مسلحة» فكان من الطبيعي أن تواجه السلطة العنف بممارسة القوة المضادة بما يقتضيه الوضع سواء أجزنا ذلك من باب المسؤولية الوطنية المجتمعية للسلطة أم اعتبرناه رد فعل طبيعياً.
في تلك الأثناء «تضخمت» المعارضات السورية وبدأت تشكيل مجالسها بدءاً من المجلس الوطني وصولاً إلى الائتلاف ومن ثم الهيئة العليا للمفاوضات كما تبعثرت المعارضات وصولاً إلى ما نشهده اليوم من تعدد لمنصاتها في الداخل والخارج ناهيك عن تبادل الاتهامات بالعمالة والتخوين فيما بينها.
وبتتبع مساعي الحل السياسي في سورية نجد أن السلطة تمسك بزمام هذا الحل فهي من جهة تمتلك القوة العسكرية على نقل نجاحاتها الميدانية إلى طاولات المفاوضات منذ جنيف واحد وصولاً إلى جنيف 4 الذي تقرر عقده في العشرين من الشهر الحالي ويبدأ اليوم المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا بتوجيه الدعوات إليه، تنفيذاً لتهديداته السابقة بتشكيل وفد موحد للمعارضة في حال فشلت هي بذلك قبل 8 شباط الذي يصادف اليوم أيضاً.
ومن جهة أخرى كانت السلطة قادرة على امتصاص الضغوط المختلفة وإفراز تحولات بسيطة وتمارس السياسة مقابل افتقار الجهة الأخرى وهي «المعارضات» لأي ممارسة سياسية فهي منذ أعلنت عن وجودها وحتى اليوم لها مطلب واحد وهو «تغيير النظام» من دون أن نلاحظ لها خططاً بديلة أو تراتبية هرمية في المطالب كما نشهده في عالم السياسة.
وإزاء الملاحظة بأن المعارضة لا تزال تفتقر للبرامج السياسية نرى نجاح العامل الدولي في صياغة خطوط الحل بالتعاون مع السلطة بصيغ مختلفة وبهذا الشكل أو ذاك من أشكال التعاون على حين أنه يقضي المعارضة وهنا لا يمكن إلا أن نحمل المعارضة نفسها المسؤولية لأنها لم تستطع أن تعيد إنتاج ذاتها ولم تبحث عن بدائل وخيارات كما يجري في السياسة عادة، وهو ما يمنعها لاحقاً من الاعتراض على أي خطط يتم تبنيها.
في سياق ما سبق نرى اليوم أن معارضة الرياض التي يعتبرها البعض المنصة الأهم للمعارضة تخسر في كل جولة وتكون آخر الواصلين سواء في جولات جنيف المتعددة أو حتى في أستانا التي جرت الشهر الماضي حيث كانت مجرد حاضر غائب في محادثات لا يمكن إلا الإقرار بأنها كانت لمصلحة السلطة.
ومن هذا المنطلق نلاحظ أن معارضة الخارج غير قادرة على العمل من الداخل ليس بسبب افتقارها لما يلبي طموح الشارع وبدائيتها وليس أدل على ذلك من مواصلة معارضة الرياض طرح الشروط المسبقة عند كل حديث عن مفاوضات لتذهب لاحقاً إلى مبدأ «مكره أخاك لا بطل» ومن ثم عدم قبولها الانخراط مع معارضات أخرى في وفد موحد رغم أنها تتوسل الدعوات لكل محادثات مسبقاً وتدرك أن الذهاب إلى جنيف هذه المرة مشروط بالتعاون.
ولا يعفي الحديث عن معارضة الرياض المعارضات الأخرى من المسؤولية فلا معارضة موسكو كما نرى ولا منصة القاهرة تختلفان كثيراً عن معارضات الرياض اللهم إلا في حدة الطرح والميل إلى مصالح الدول التي تحتضنها وحتى معارضة الداخل لا تعدو كونها حركات تدعو للإصلاح.
واليوم أياً كان موقفنا من المعارضات، فإنه يتوجب عليها كما نرى أن تطور خطابها السياسي وآلية عملها وطروحاتها لترتقي إلى واقع اللحظة الراهنة، في المقابل يبدو أن السلطة مدعوة للمشاركة بمفهومها المتكامل.