قضايا وآراء

واشنطن تكشف أوراقها في أوروبا والمنطقة

تحسين الحلبي : 

 

في 16 حزيران الجاري أعلن الجنرال (يوري ياكوبوف) أن الإجراء الأميركي بإرسال خمسة آلاف جندي أميركي وعربات وأسلحة ثقيلة إلى عدد من دول أوروبا الشرقية المحاذية لروسيا يعد «أكبر إجراء عدواني يقوم به (البنتاغون) و(حلف الأطلسي) منذ الحرب الباردة. فعندما تكتشف موسكو أسلحة تنتقل إلى دول البلطيق فإن ذلك يتطلب منها تعزيز قواتها ومصادرها في مسرح العمليات الإستراتيجي الغربي». ولا شك أن ما تقوم به واشنطن بحقّ روسيا والرد الذي أعلنه الجنرال (ياكوبوف) سيحتل الآن أهمية كبيرة في جدول العمل الدولي وفي أوروبا بشكل خاص. ولذلك يقول (باتريك بوكانان) مؤلف كتاب (تشرتشل وهتلر، والحرب غير الضرورية: كيف فقدت بريطانيا إمبراطوريتها وفقد الغرب العالم؟): إن البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية)، والكونغرس يخطئان إذا اعتقد أن الرئيس بوتين سيتراجع ولن يرد، ويكشف (بوكانان) أن الرئيس أوباما والكونغرس ومعه جون ماكين يقودون أوروبا نحو حرب أخرى لا ترغب فيها معظم دولها الكبرى ويضيف: إن تاريخ احتمالات التصادم العسكري بين موسكو وواشنطن في عهد الاتحاد السوفييتي يدل على أن جميع الرؤساء الأميركيين فضلوا الامتناع عن أي مجابهة عسكرية مع موسكو حتى حين تدخلت الدبابات السوفييتية في هنغاريا وفي براغ، وصمت كينيدي حين أنشأ السوفييت جدار برلين، وإن الرئيس ريغان لم يستطع اللجوء إلى تصعيد مع موسكو في أزمة بولندا (ومنظمة التضامن) البولندية لأنه كان يحترم الحقيقة الجيو إستراتيجية ولا يفضل الوصول إلى أقصى درجة من خطر التصادم العسكري مع روسيا وحلف وارسو في ذلك الوقت، بينما يجد الأوروبيون اليوم أن أوباما يسير في خط التصادم حين يصر على تسليح أوكرانيا ونشر قوات وأسلحة حديثة في دول البلطيق.
ويعترف (ليس جيلب) في تحليل نشر في (مجلة نيشينال إنترست) أن «يد الغرب ضعيفة» في منطقة دول البلطيق وأن تفوق روسيا العسكري على حلف الأطلسي واضح في حدود الحلف الغربية» ويضيف (جيلب): إن «موسكو تتمتع بفوائد كثيرة من تفوق قواتها التقليدية المدعومة بأسلحة نووية تكتيكية وستضطر لاستخدامها لحماية وجودها ولكي تتجنب الهزيمة».
ويتوقع جيلب أن تستخدم روسيا قواتها الجوية والدبابات والمدفعية إذا بدأت قوات كييف بضرب حلفاء موسكو في مناطق أوكرانيا بالأسلحة الأميركية ويتساءل: «وماذا ستفعل واشنطن حينئذ؟ هل سترسل حاملات طائراتها إلى البحر الأسود لشن هجوم على الأسطول الروسي في ميناء (سيفاستوبول) وتتسبب بمواجهة جوية وصاروخية مع روسيا؟ ويتساءل (بوكانان) بدوره: «وهل ستقبل الدول الكبرى الأوروبية مع الرأي العام الأوروبي بحرب عالمية كهذه؟ ويستعرض آخر استطلاع رأي قام به مركز (بيو للاتجاهات العالمية) الذي تبين له أن أقل من نصف الأوروبيين في بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا يرون ضرورة في شن حرب على روسيا إذا هاجمت دول البلطيق وأن الرأي العام الألماني المؤيد لهذه الحرب 38% فقط بينما تبلغ نسبة المؤيدين في الولايات المتحدة 46% ويرفض 80% من الألمان والإيطاليين تصدير السلاح لأوكرانيا. لكن الكونغرس وبعض القيادات العسكرية الأميركية يؤيدون خوض حرب أميركية على الساحة الأوروبية لحماية دول البلطيق وأوكرانيا وهنا تكمن المصلحة الأميركية التي ستجعل من أوروبا ساحة لحرب مدمرة بعيداً عن الساحة الأميركية.
ويبدو أن واشنطن تسعى من وراء خطتها العسكرية في المنطقة إلى زيادة محاصرة هامش التحرك الروسي في أي حرب مقبلة ويخطئ من يعتقد أن واشنطن توقفت عن خطتها في تفتيت قدرات وحدود كل دولة مناهضة لهيمنتها في المنطقة وجاء تصريح وزير الدفاع الأميركي (كارتر) قبل أسبوع أمام لجنة الشؤون العسكرية في مجلس النواب الأميركي دليلاً على سياسة واشنطن حين قال: «إن البنتاغون يعد نفسه لاحتمال ألا يعود العراق إلى وحدة أراضيه وسيادته عليها كلها» وهذا ما سيدفع سورية وإيران والعراق إلى النظر إلى هذا التصريح بعين الخطورة الفادحة على المنطقة كلها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن