سياسة ترامب والشرق الأوسط
| د. قحطان السيوفي
المشهد يشير اليوم إلى أن قائمة أولويات سياسة الرئيس الأميركي ترامب الخارجية يتصدرها التجارة والأمن. في مجال التجارة، سيركز ترامب على المصالح الأميركية في الصين واليابان… أما بالنسبة لموضوع الأمن، فسيحظى الشرق الأوسط بالأولوية.
واعتبر ترامب الإرهاب التهديد الأمني الرئيسي الذي يواجه أميركا، وتعهد بتحالف دولي لمحاربته…
ترامب عين لقيادة فريقه للأمن القومي والدفاع عسكريين متمرسين لديهم خبرة في الجيش والأمن ومحاربة الجماعات الإرهابية وأكد ترامب بزيارته إلى مقر وكالة الاستخبارات المركزية قراره الحرب على الإرهاب «داعش» و«القاعدة».
وليس من المتوقع أن يقوم الرئيس الأميركي الجديد بإرسال القوات الأميركية إلى المنطقة، لكن ستزداد الضربات الجوية ونشاط الاستخبارات والقوات الخاصة.
بالمقابل الموقف تجاه روسيا هو إحدى المسائل الرئيسية لدى ترامب، الذي يرى، مع وزير خارجيته، في روسيا شريكاً محتملاً. ولكن فريقه للأمن القومي يعتبر روسيا عدواً رئيسياً لأميركا… وهذه مفارقة لا يعرف كيف ستحسم، يمثل الموقف تجاه إيران تناقضاً آخر في سياسة هذه الإدارة. فترامب وفريقه الأمني يرون أن إيران عدو يجب إضعافه، وتصريحاته الأخيرة تؤكد ذلك… لكن ترامب عبّر مراراً أنه قد يفضل العمل مع روسيا في سورية، وفي حال كون ترامب جاداً في محاربة الإرهاب، فليس أمامه إلا التحالف مع روسيا والدولة السورية لأن هذه الأخيرة تحارب الإرهاب دفاعاً عن سورية ونيابة عن العالم…
أمام هذا الواقع ثمة تساؤلات عديدة حول السيناريوهات المحتملة لسياسة ترامب في الشرق الأوسط!
أول هذه السيناريوهات هو التعاون بين الولايات المتحدة وروسيا. وهذا لم يسبق أن حدث بشكل فعلي منذ الحرب العالمية الثانية، وإذا حدث اليوم فإنه سيمكن الدولتين أن تعملا معاً على هزيمة «داعش» وأخواتها… علماً بأنه سبق لبوش وأوباما أن بدأا رئاستهما بتفاؤل كبير حول التعاون مع روسيا، ولكن هذا التفاؤل انحسر بواقع تناقض المصالح.
ثمة سيناريو ثان قائم على التنافس بين القوى العظمى. وهذا يذكرنا بأجواء الحرب الباردة…. أما السيناريو الثالث فيفترض أن ترامب قد يتراجع في الشرق الأوسط وراء جدران «أميركا أولاً». مع تأكيد أمن الكيان الصهيوني. ومثل هذا التراجع سيترك المنطقة مفتوحة للصراع بين روسيا وقوى إقليمية والجماعات الإرهابية.
بشكل عام يبدو أن ترامب يضع مشروع إستراتيجية متكاملة لمنطقة الشرق الأوسط، ستتأثر حتماً بالعلاقة التي تعهّد بإقامتها مع الرئيس الروسي بوتين. إدارة ترامب، ستتمسك بحذافير الاتفاق النووي وستضع تنفيذ إيران له تحت المجهر… المحطة المهمة في العلاقة الأميركية – الإيرانية تمرّ بالعلاقة الأميركية – الروسية والعلاقة الروسية – الإيرانية… من المتوقع أن تعيد إدارة ترامب العلاقات مع السعودية ومصر ودول خليجية أخرى كتحالفات تقليدية أساسها المصالح الأميركية في الشرق الأوسط….
ونشير إلى ما أكده الرئيس الأميركي أثناء الحملة الانتخابية في شأن تسديد دول الخليج كلفة ما تقدمه أميركا أمنياً كأمر بديهي تفهمه الدول الخليجية… وفي إطار خوف هذه الدول من إيران والورطة السعودية في اليمن… وفي إطار رؤيته ذات المنحى العنصري والجشع، سيسعى ترامب لشفط ألأموال الخليجية، وسيبيع المزيد من الأسلحة بحجة وهم الحماية من إيران… ترامب قال سابقاً إن الولايات المتحدة كان عليها أخذ نفط العراق عندما احتلته، وأنه كان يجب إلزام الكويت بالدفع لعشرات السنين للخزينة الأميركية مقابل تحريرها….
إعلان ترامب عن إدراج تنظيم «الإخوان المسلمين» على قائمة التنظيمات الإرهابية له صلة بالتفاهمات الأميركية – الروسية، واللاعبان المهمان هما مصر وتركيا.. مصر تقرّ بعدائها القاطع لهذا التنظيم. تركيا تبنت هذا التنظيم ضمن مشروعها الإقليمي الذي اضطرت إلى تقليصه بسبب حاجتها إلى روسيا التي تعارض صعود الإسلاميين إلى السلطة.
سيسعى ترامب إلى إعطاء إسرائيل مكاسب… وإعلان نقل السفارة الأميركية إلى القدس يواجه بمعارضة دولية… قرارات إسرائيل الأخيرة حول قضم الأراضي في الضفة الغربية استغلال واضح لمواقف ترامب… مشروع ترامب سيكون على حساب العرب والعالم وعلى حساب الشعب الأميركي وقيمه. الإمبراطوريات الكبرى كأميركا تقاوم مشروع تراجعها العالمي باصطناع الأزمات… وهذا يتطلب وقتاً، لكن ترامب وإدارته يمتلكان فترة مهمة منها.
التراجع مصير الإمبراطوريات بما فيها الأميركية، هل ترامب جاد في محاربة الإرهاب…؟ هل يكون ترامب آخر الرؤساء الأميركيين من حاملي المشاريع الإمبراطورية…؟