قضايا وآراء

على ضفاف الحرب.. ما وظيفة إرهابيي أميركا؟

عبد السلام حجاب : 

 

رغم أن الاتصال الهاتفي بين بوتين وأوباما جاء بعد شبه قطيعة دبلوماسية وتوترات سياسية تجاه عدد من القضايا الدولية الساخنة، رافقتها إجراءات عسكرية في الجوار الروسي، يبدو أن الإرهاب الذي تقوده واشنطن قد طفح كيله ليكون العنوان الأبرز لفحوى إشارة البدء التي أعلن عنها الرئيسان الروسي والأميركي للتواصل بين وزيري خارجية البلدين لافروف وكيري، وذلك في ضوء مقاربة سياسية أميركية بشقين وخاصة العالم على ضفاف حرب ليس مهماً عنوانها واسعة أو محدودة.
1- تراجع مفهوم «حافة الهاوية» الذي اعتمده وزير الخارجية الأميركي الأسبق جون فوستر دالاس، وثبوت عدم نجاعته في عالم أصبح ميدانياً متعدد الأقطاب.
2- إن ما يدفعك إلى ابتلاع المر إنما هو الأمرّ منه، إذ إن الإرهاب الذي تقوده أميركا وتستثمر فيه لمصلحة مشروعها الشرق أوسطي أولاً والإمبراطوري ثانياً، يزداد اشتعالاً وتمدداً وبات عابراً للحدود القريبة والبعيدة، كما أن الحرب التي تدير أميركا شؤونها مباشرة وبالوكالة وتمنح المخابرات الأميركية والصهيونية من تقرر صلاحيتهم وفق معاييرها من الإرهابيين الجدد 400 دولار شهرياً لكل إرهابي بحسب ما أعلن وزير الحرب الأميركي أشتون كارتر، فإن أميركا لا تريدها حرباً تدفع تكاليفها على حساب جنودها بل بسياسة دعهم يقتلون بعضهم.
فهل تحول محادثات الوزيرين لافروف وكيري من دون حرب باتت على مسافة خطأ سياسي أو إعلامي أو عسكري مقصود أو غير مقصود، وفقاً لما يشي به المشهد الميداني والسياسي الدولي والإقليمي، أم إن سياسة المعايير المزدوجة الأميركية سوف تسعى إلى تجنب ويلات وتكاليف حرب مباشرة، والإبقاء على حربها بوساطة الإرهاب ووكلائه في سورية والمنطقة، والتي تبدو واضحة للعيان من خلال تصعيد العمليات الإرهابية المسلحة بتسمياتها المختلفة وأجنداتها المتعددة في جنوب سورية وشمالها بدعم مباشر ميداني ولوجستي يقدمه السفاح أردوغان وآل سعود ومشيخة قطر والملك الأردني بتنسيق وتكامل تامين مع الكيان الصهيوني.
لعل تفاصيل المشهد الراهن تشير إلى تجاوز مرحلة سباق التسلح بين روسيا من جهة وأميركا وحلف الناتو ومن يدور في فلكهم من جهة أخرى، وبات على أبواب مرحلة التموضع على ضفاف الحرب، في وقت يضبط العالم ساعته على الثلاثين من حزيران الموعد المفترض للتوقيع على الاتفاق النهائي بين إيران ودول 5+1، لكن أحداً لن يكون بمقدوره تجاهل البراغماتية الأميركية باتجاه سعيها لاحتواء المسألتين، ولاسيما إذا تم الأخذ بعين الاعتبار أن سياسة الاستثمار بالإرهاب في سورية خاصة والمنطقة بصورة عامة أصبحت بالنسبة لأوباما وحلفه مسألة حياة أو موت، وما يؤكد ذلك خدعة وزير دفاعه كارتر بتحويل من وصفهم أوباما بالفانتازيا إلى إرهابيين مسلحين بعد تدريبهم ثم زجهم داخل الجغرافية السورية بحسب اتفاقات تشرف على تنفيذها الميداني واللوجستي مراكز استخبارية متعددة الجنسيات بقيادة أميركية صهيونية في الأردن وتركيا، ما يعني بدلالات لا تحتاج إلى تفسير حاجة الإستراتيجية الأميركية إلى عنف مستديم ومسيطر عليه لفترات مديدة لتسهيل السيطرة والتحكم بالمصائر بحسب الجنرال بترايوس في مذكراته عقب الغزو الأميركي للعراق، وعليه يمكن الاستنتاج:
1- سعي أميركي حثيث لجهة تحقيق «مشروع الشرق الأوسط الجديد» على قاعدة صهيونية ودعم تحالف الإرهاب وما تمثل فيه أشباه الدول في المنطقة، وهو سعي محكوم بالفشل سواء بالالتفاف على الموقف الروسي وتمسكه بالمبادئ والقوانين الدولية وتأكيد هذا الموقف بتأييد سيادة سورية ووحدتها وسلامة أراضيها وعدم وجود بديل لحل الأزمة فيها سياسياً، أو سواء بمحاولة احتواء مآلات التوقيع مع إيران على الاتفاق بصيغته النهائية وفق الساعة الإيرانية والمواقف الإستراتيجية الثابتة باتجاه سورية وقيادتها السياسية والقانونية، وفي مثل هذا الواقع، فإن السعي الأميركي لن يكون خطيراً ومتشظياً فقط بل إنه مستحيل أمام المواجهة السورية الصلبة وحلفها المقاوم في السياسة والميدان.
2- إصرار أوباما أن يجعل من الحمار حصاناً بإلباسه سرجاً من ذهب، مع تأكده أن الإرهاب لا يصنع شيئاً يعتد به، بل عار يورثه، لكنه يحاول اصطياد مكاسب ما، على ضفاف الحرب التي يريدها بنتائجها من دون تحمل أعبائها، وهو أمر بات من الصعب تحقيقه في ضوء متغيرات أحدثها الصمود السوري على مدى أربع سنوات وعدة أشهر، في الخريطة الدولية.
لعل الوقائع تؤكد أن لهيب الإرهاب وصل إلى أحضان الأوربيين وبعض الدول العربية التي ظنت لفترة أنها بمعزل عن نيرانه الحاقدة ما يعني أن تدرك الدول كافة أهمية المخاطر التي نبهت إليها سورية وهي تحارب الإرهاب وتتصدى لأجنداته التكفيرية وقدمت التضحيات من دماء أبنائها وقوت شعبها وهو ما يشير إلى:
1- إن الصمت الذي تبديه بعض الدول بات يمثل موقفاَ مشبوهاً يصب في خدمة الإرهابيين ويؤمن تغطية سياسية وإعلامية لجرائمهم التي تتمدد في غير اتجاه.
2- إن الموقف الذي تتخذه أميركا وأطراف حلفها الإرهابي بعدم تنفيذ قرارات مجلس الأمن ولا سيما القرارات 2170 و2178 و2199 يمثل انخراطاً واضحاً إلى جانب الإرهاب ويخدم أجندات تهدد الأمن والاستقرار وحق الدولة الوطنية في تقرير مستقبل شعبها.
3- في مثل هذا الواقع المفتوح على احتمالات عدة يصبح ضرورياً نقل احتكار أميركا لمحاربة الإرهاب بذرائع مشبوهة ومسيسة إلى محاربته علناً وبصورة جماعية وواضحة تحت مظلة المنظمة الدولية.
ولا شك بأنه بات من المسلمات أن محاربة الإرهاب أصبحت فرض عين تقع مسؤوليتها على الجميع دولة وأفراداً ومنظمات شعبية، وهو ما يقوم به السوريون جيشاً وشعباً وبمختلف مواقعهم الوطنية، وقد أكد الرئيس بشار الأسد بحديثه إلى مبعوثي رئيس جنوب إفريقيا «أن الإرهاب بات يمثل مشكلة عالمية، والقضاء عليه يتطلب تضافر جهود جميع الدول لمحاربته، ودول البريكس قادرة على لعب دور فاعل في توحيد الجهود للقضاء على الإرهاب»، وإذا كان قدر السوريين حمل الراية فلأنهم دائماً يصنعون تاريخهم بأنفسهم ولا عزاء للمراهنين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن