من دفتر الوطن

أيها القلب.. اهدأ

| عبد الفتاح العوض 

شيء ما يقول لك: اهدأ.. اهدأ
بل أشياء كثيرة تقول لك: اهدأ
هذا الوجع الذي ما إن يذهب حتى يعود إليك مرة أخرى يقول لك: اهدأ..
إشارات الاستفهام التي مضى عليها خمسون عاماً ولم تجد من يمسح عنها الغموض تقول لك: اهدأ.
الوجوه المتقلبة بين حزن.. وحزن من دون أن تعرف كيف تداري وجعها تقول لك: اهدأ.. هذه التجاعيد الزائرة والزائدة التي تربك ملامحك يوماً بعد يوم تقول لك: اهدأ.. ما معنى أن يمضي عمر كامل.. ولا يصل الإنسان إلى نقطة المصالحة مع روحه ونفسه والكون المحيط به.
ما معنى أن يمضي عمر كامل.. والأسئلة ذاتها تنوس بين غامضة وأكثر غموضاً.
ما معنى أن يمضي عمر كامل من دون أن تدري ما التالي.. وماذا بعد؟!
في حياة البشر كثير من الأشياء التي تبقى منبراً للأسئلة الصعبة..
قرأت يوماً.. أنه لا تقل لديك 20 سنة خبرة.. أحياناً ليس لديك أكثر من سنة تكررت عشرين مرة.. أحياناً نشعر أنه ليس لدينا خمسون أو ستون سنة.. بقدر ما لدينا أيام تتكرر بكثير من الرتابة مضموناً وإن بدت متغيرة وملونة شكلاً.
صديق أرسل لي سمات ما يسمى «المرحلة الملكية» في الحياة.. يقول فيها: عندما تصل لهذه المرحلة لن تجد نفسك مضطراً للخوض في جدال ولو خضت.. لن تحاول أن تثبت لمن يجادلك أنه مخطئ.. لو كذب عليك أحدهم فستتركه يكذب عليك.. ستدرك أنك لن تستطيع إصلاح الكون.. وكثير من الأشياء التي تدل بشكل أو بآخر على تلك اللحظة التي تلتقي فيها القناعات والسلوكيات معاً.. عندما تصبح مشاعرك تحت إمرتك… هذه المرحلة لا تهمك العواصف ما دام قلبك هادئاً… تكون سحابة من السكينة تقيك برد الحزن أو حر الفرح.
لكن السؤال: إلى أي درجة يمكن الوصول إلى هذه المرحلة.. وهل هي ممكنة حقاً أم إنها إحدى الحكم النظرية التي تعجبنا، لكنها تبقى في حدود العبارات المتخمة بالمثاليات غير القابلة للتطبيق العملي؟!
لا أريد أن تكون هذه الفكرة مجرد تساؤلات بقدر ما أريد أن أقول: إن كل ما حولنا يطلب منا «الغضب» والحنق والصراخ.. وإن حكماء العالم كلهم يقولون لنا: اهدؤوا وتمهلوا.. في ركن ما ثمة مشاغب يصرخ في داخلنا… الهادئون يصنعون الصمت… الساخطون يصنعون الصخب… فاختر بين صمت الموت وصخب الحياة.
الأدهى من كل ذلك أن كل هذا العمر الذي مضى ولم نقطف بعد ثمار الإجابات… وما زلنا معلقين على مشانق إشارات الاستفهام.. إنها الحياة رحلة الأسئلة؟
في القرآن الكريم… اليقين يعني الموت. «واعبد ربك حتى يأتيك اليقين».

أقوال
فاتورة الهاتف هي أبلغ دليل على أن الصمت والهدوء أوفر بكثير من الكلام.
الهدوء يحتاج إلى الكثير والضجيج يكفي لإتقانه أن تمتلك موهبة الصراخ.
حين لا نجد الراحة في ذواتنا لن يجدي أن نبحث عنها في مكان آخر.
كلّ واحد منا يختار جحيمه الخاص، ذلك الجحيم الذي يجد نفسه فيه أكثر راحة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن