«الأعمال الشعرية»… تأخذ طابعاً روحياً ونفسياً … أمير سماوي… أعاد قراءة قصائده بقصد ترويضها من قساوة معانيها
| سوسن صيداوي
صدر للشاعر«أمير سماوي» وهو الاسم المستعار للمحامي رجب حسين علي، المجموعة الشعرية، وذلك ضمن إصدار خاص، ضم كل أعماله الشعرية عبر مسيرته الأدبية بين عامي 1989 و2012، والتي تقع في 607 صفحات، عبّر خلالها الشاعر عن نضج علاقته بالشعر فهو لم ينشر نتاج مرحلة الصبا أو نتاج ما قبل العشرين من عمره، على الرغم من أنه، وحسب الشاعر، أوصله إلى أعمال المجموعة محل البحث، وإلى صقلها بثقة بعيداً عن التأثر بأي مدرسة أو مذهب أو تجربة شعرية، ويمكن القول إن الشاعر قدّم الأعمال بعد أن قام بغربلتها وتصفيتها جيداً، مستنداً الى خبرته التذوقية المُرة والقاسية والشفافة في آن معاً، وبالطبع يقدّم هذا المنتج الذي يعتبره منجزاً شخصياً، معلناً عن شعور دائم بالفخر به، إذاً فهذه الأعمال جاءت كمحصلة نهائية بعد البحث القلق عن أفضل تطلّع صاف للوصول إلى أعماق تفاصيل الموضوع الشعري في جوٍّ من الحماسة والانفعال كما يقول عن نفسه: «لأني أميرٌ سماوي حملت مجاهرة حكمة اللـه وأتيت بها قاصداً أرض حبي.. لأني وصلت إلى غاية المستحيل تجرأت أن أشرع المستحيل وأن أصطفي خاطري عن هواجس تغرق فيها جلالة قلبي».
الطابع روحي
نهم الشاعر وشغفه لإعادة خلق قصائده دفعه بحماسة كبيرة لإعادة قراءة القصيدة بقصد ترويضها من قساوة معانيها، هادفاً أن تتعقل القصيدة وتأخذ طابعاً روحياً ونفسياً سلساً ومرناً، وبحسب الشاعر، إلى حدّ يصبح قريباً من ذهنية المتلقي، انطلاقاً من أمل كبير بأن تكون النتيجة فيما يقدمه من صيغ إبداعية تخدم وجهته الصعبة في إيجاد المستوى المرجوّ الذي يناسب تطلعات الحداثة الإنسانية، وهذا ما جاء في مجموعة أبراج العدم وبالتحديد في قصيدة قيامة الروح في المقطع الثامن قائلاً:
الصمت لا يجلب شيئاً،
فقط، يحضر راياتٍ بيضاء،
ويرغي ضوضاء في أحاسيس الوعود.
وحده الصخب يغوص في أعمق عينين
يكتنز في حنّاء الشفاه قمصاناً،
وأحذيه تفتق الخجل.
ويزفّ لأمي نبأ انشراح خفيّ عن الخوف،
والتصاقهما بسيل الوجوه الملفّعة بالبروق والريش،
والموسيقا التي صمّمتها خصور النسائم
خصيصا لراحة الفوضى.
في مجموعة عظات الصمت وفي قصيدة إلى الشاعر.. قال:
هكذا قحط شديد،
ويأسٌ أكثر مما يجب.
أيام بهيئة آمرٍ مستبدّ توعز للوجه أن يهتدي للقناع،
وللجسد أن يعفّ عن التحليق.
وكان له هذيان خاص مع شآمه، فدمشق لغز عشقها لا يمكن لمرء فكه أو حلّه وأسرار الهذيان بحبها الكبير باق، حاضناً لها عبر الأبواب الدمشقية السبعة، ومن بعض ما قاله في قصيدة سر الهذيان على أبواب دمشق:
زيّنتِ وجداً زاد من زاروك توقا،
فاستجابوا للحفاوة في رحابك
مانحين لك الصحائف كي يكيلوا قيمةً للمجد،
فاعترفوا بأنك ياسمين الشرق،
سرّ اللـه في خلق تجلّى آية كُتبت
لسرد حكاية التكوين في وشم تخطّاه الدليل.
ها قلت أشياء إذا قيلت إلى أحد هناك
يضيع في فوح الكلام، ويمّحي في وهج معناه الجليل.
هي غربة في القول إذ يبقى جدار فاصل..،
أو ينجلي ما سوف يخفي خلفه نور الكلام.
حكايتي فُضّت.. ،
وهأنذا أعود لضمّها نوراً على نار الخليل.
حداثة وابتكار جديد
وجاءت نصوص الكتاب بأسلوب حديث اهتم خلاله بالدلالة وعرض رؤيته الخاصة في الحياة عبر تفاعل ذاتي ذهب به إلى رؤية الشعر من منظار يختلف عن المألوف في بنيته التركيبية. ففي مجموعة دروب الرحلة الأبدية وفي قصيدة كوابيس قال الشاعر:
واجهت في قفر الهروب فلول وجهي،
وارتعاشات الحواس.
أفهمتُ أني هبّةٌ لا خطوَ لي;
بادت ظلالي في كآبتها،
وفُتّقَ هاجسي في وهج ليلٍ
يستحمّ بجوفه ثور المآسي.
وفي مجموعة عظات الصمت وفي قصيدة غفلة:
كما وقع أنفاسها تجثم المدن…
هروب الخطا: غفلة من هزائم
فعلٌ لأرض تجلّى
على سحرها وطنُ.
عبادهُ هذي الأوابد صحوة شرّ،
ونفيٌ لميزان عدلٍ
ونسفٌ لرأيٍ عافه العفنُ.
في مجموعة بائد كالرماد;حي بالأخطاء قال في قصيدة نبيذ الرماد:
لو يدي تحلم،
لو ظل عمري ينام،
ولو ألمي..
لو، ولو، لو…
غبارٌ يلفّ مناسك شقوة تيهي،
و يمحو تجاعيد قهرٍ بوجهي.. ،
حرائقُ تملي على خاطري حيرةً،
فيداهم صحوة عمري
بوهج انطفاء السنين.
مزج الفكر بالعاطفة
تعمّد الشاعر«أمير سماوي» في كتابه بطريقة عمديّة لأنسنة الأشياء وصهر الأحاسيس والقيم، متخذاً من مبدأ مزج الفكر بالعاطفة أسلوباً يوصله إلى غاياته الشعرية بمنطق فلسفي واجتماعي، حيث يرمي الشاعر إلى أن تكون مهمة الشعر بمنزلة ايديولوجيا لإعادة مؤاخاة مفاهيم الحكمة والوجود والإنسان والعقل والحب، في حالة روحية وعاطفية سامية. وفي مجموعة بلبل بين القبور، وفي قصيدة حكواتي قال الشاعر أمير سماوي:
صرتَ كأية ذكرى
تداعت ولم تتوقد لتشمخ فوق القمم.
ديارك لا ضيفَ فيها،
وأحلامك انسلخت عن وجودك.
صرتَ حطاماً ببيت حياتك;
روحك سرجٌ بلا صهوة…
صرت شكلا لأرهب يأسا،
فتأخذ من غضب الأب نبرة ماضٍ;
قناعك أهدر وجهك في علل العجز،
حيث رعونته لمسة الألم.
وفي مجموعة انتظار القيامة وفي قصيدة الشاهد الوحيد:
وقرأتُ أن اللـه يحرسني
لكي أبقى وحيداً شاهداً;
كيف الموازين استجارت أي ثقلٍ؟
كيف خفّت في الكثير من الأمور؟
وبقيت أشهد;
كيف عاد الناس مجبولين بالندم الذي
ملأ السماء لظىً؟
وكيف تحلّت البشرى
بنشوة ثلّةٍ من أخلص الكلمات
لا تبديل فيها;
ذلك الفوز الغَرُور…
اتهام بالصعوبة
هناك من يتهم الشاعر في مجموعته الشعرية بالصعوبة والغموض والاستغراق الرمزي، ولكن يرد الشاعر على ذلك بقوله «الرد المناسب هو في مدى الاستعداد الشعري للتقبّل عند هذا المتهم، وفي سلامة البنية المعرفية والذائقية والجمالية الشعرية عنده، وفي مدى توسّعه البلاغي حيث لا أنكر استعمالاتي المعقدة والقصدية ذات الطابع الإحيائي لمفردات قلّ تداولها… فجئت بها لإثبات حداثتها ولإدخالها في مصهر طينة لغتي الشعرية والتي ستنتج روحية تلك المعاني المتعددة الأوجه والمركزة بالصور التي ستأخذ انسيابها الكثيف في مقولة إن الشعر كلام مخيّل ذو معنى».
أعمال الشعرية
تضمنت هذه المجموعة الشعرية الأعمال التالية:
1- أبراج العدم
2- دروب الرحلة الأبدية
3- عظات الصمت
4- بائد كالرماد;حيّ بالأخطاء
5- السواد في حدّه الأعظمي
6- بلبل بين القبور
7- مرآة الأنثى
8- في انتظار القيامة
و تحت عنوان أعمال أخرى منشورة جاءت الأعمال التالية:
1-الشعر العالي… نقد
2-البعل في المحرقة… مسرحية